تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمذهب الثّالث: أنّه يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لوالده، ولا يجوز أن ينفرد بها لولده، لأنّ الطّبع يبعث على ممايلة الولد أكثر من ممّا يبعث على ممايلة الوالد، ولذلك كان كلّ ما يقتنيه في الأغلب مذخوراً لولده دون والده.

فأمّا عقدها لأخيه ومن قاربه من عصبته ومناسبيه فكعقدها للبعداء الأجانب في جواز تفرّده بها. وقال ابن خلدونٍ، بعد أن قدّم الكلام في الإمامة ومشروعيّتها لما فيها من المصلحة، وأنّ حقيقتها للنّظر في مصالح الأمّة لدينهم ودنياهم. قال: فالإمام هو وليّهم والأمين عليهم، ينظر لهم ذلك في حياته، ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد مماته، ويقيم لهم من يتولّى أمورهم كما كان هو يتولّاها، ويثقون بنظره لهم في ذلك، كما وثقوا به فيما قبل، وقد عرف ذلك من الشّرع بإجماع الأمّة على جوازه وانعقاده، إذ وقع بعهد أبي بكرٍ رضي الله عنه لعمر بمحضرٍ من الصّحابة، وأجازوه، وأوجبوا على أنفسهم به طاعة عمر رضي الله عنه وعنهم، وكذلك عهد عمر في الشّورى إلى السّتّة بقيّة العشرة، وجعل لهم أن يختاروا للمسلمين، ففوّض بعضهم إلى بعضٍ، حتّى أفضى ذلك إلى عبد الرّحمن بن عوفٍ، فاجتهد وناظر المسلمين فوجدهم متّفقين على عثمان وعلى عليٍّ، فآثر عثمان بالبيعة على ذلك لموافقته إيّاه على لزوم الاقتداء بالشّيخين في كلّ ما يعرض له دون اجتهاده، فانعقد أمر عثمان لذلك، وأوجبوا طاعته، والملأ من الصّحابة حاضرون للأولى والثّانية، ولم ينكره أحد منهم، فدلّ على أنّهم متّفقون على صحّة هذا العهد، عارفون بمشروعيّته، والإجماع حجّة كما عرف، ولا يتّهم الإمام في هذا الأمر وإن عهد إلى أبيه أو ابنه، لأنّه مأمون على النّظر لهم في حياته، فأولى أن لا يحتمل فيها تبعةً بعد مماته، خلافاً لمن قال باتّهامه في الولد والوالد، أو لمن خصّص التّهمة بالولد دون الوالد، فإنّه بعيد عن الظّنّة في ذلك كلّه، لا سيّما إذا كانت هناك داعية تدعو إليه من إيثار مصلحةٍ أو توقّع مفسدةٍ فتنتفي الظّنّة في ذلك رأساً.

هذا، وللإمام أن يجعلها شورى بين اثنين فأكثر من أهل الإمامة، فيتعيّن من عيّنوه بعد موت الإمام، لأنّ عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى بين ستّةٍ، فاتّفقوا على عثمان رضي الله عنه، فلم يخالف من الصّحابة أحد، فكان ذلك إجماعاً.

استخلاف الغائب:

16 - صرّح الفقهاء بأنّه يصحّ استخلاف غائبٍ عن البلد، إن علم حياته، ويستقدم بعد موت الإمام، فإن طال غيابه وتضرّر المسلمون بغيابه يجوز لأهل الاختيار نصب نائبٍ عنه، وينعزل النّائب بقدومه.

شروط صحّة ولاية العهد:

17 - يشترط جمهور الفقهاء لصحّة ولاية العهد شروطاً منها:

أ - أن يكون المستخلف جامعاً لشروط الإمامة، فلا يصحّ الاستخلاف من الإمام الفاسق أو الجاهل.

ب - أن يقبل وليّ العهد في حياة الإمام، فإن تأخّر قبوله عن حياة الإمام تكون وصيّةً بالخلافة، فيجري فيها أحكام الوصيّة، وعند الشّافعيّة قول ببطلان الوصيّة في الاستخلاف، لأنّ الإمام يخرج عن الولاية بالموت.

ج - أن يكون وليّ العهد مستجمعاً لشروط الإمامة، وقت عهد الولاية إليه، مع استدامتها إلى ما بعد موت الإمام، فلا يصحّ - عند جمهور الفقهاء - عهد الولاية إلى صبيٍّ أو مجنونٍ أو فاسقٍ وإن كملوا بعد وفاة الإمام، وتبطل بزوال أحد الشّروط من وليّ العهد في حياة الإمام. وذهب الحنفيّة إلى جواز العهد إلى صبيٍّ وقت العهد، ويفوّض الأمر إلى والٍ يقوم به، حتّى يبلغ وليّ العهد. وصرّحوا أيضاً بأنّه إذا بلغ جدّدت بيعته وانعزل الوالي المفوّض عنه ببلوغه.

ثالثاً: الاستيلاء بالقوّة:

18 - قال الماورديّ: اختلف أهل العلم في ثبوت إمامة المتغلّب وانعقاد ولايته بغير عقدٍ ولا اختيارٍ، فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته، وانعقاد إمامته، وحمل الأمّة على طاعته وإن لم يعقدها أهل الاختيار، لأنّ مقصود الاختيار تمييز المولّى، وقد تميّز هذا بصفته. وذهب جمهور الفقهاء والمتكلّمين إلى أنّ إمامته لا تنعقد إلاّ بالرّضى والاختيار، لكن يلزم أهل الاختيار عقد الإمامة له، فإن توقّفوا أثموا لأنّ الإمامة عقد لا يتمّ إلاّ بعاقدٍ. وقال أبو يعلى: الإمامة تنعقد من وجهين:

أحدهما: باختيار أهل الحلّ والعقد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير