ووجه الاستدلال: أنّ اللّه سبحانه وتعالى: حرّم على المسلمين التّفرّق والتّنازع، وإذا كان إمامان فقد حصل التّفرّق المحرّم، فوجد التّنازع ووقعت المعصية للّه تعالى.
فإن عقدت لاثنين معاً بطلت فيهما، أو مرتّباً فهي للسّابق منهما. ويعزّر الثّاني ومبايعوه. لخبر: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». وإن جهل السّابق منهما بطل العقد فيهما عند الشّافعيّة، لامتناع تعدّد الأئمّة، وعدم المرجّح لأحدهما.
وعند الإمام أحمد روايتان: إحداهما: بطلان العقد، والثّانية: استعمال القرعة.
وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا تباعدت البلاد، وتعذّرت الاستنابة، جاز تعدّد الأئمّة بقدر الحاجة، وهو قول عند الشّافعيّة ..
طاعة الإمام:
21 - اتّفقت الأمّة جمعاء على وجوب طاعة الإمام العادل وحرمة الخروج عليه للأدلّة الواردة في ذلك كخبر: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». وقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} وحديث: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتةً جاهليّةً».
أمّا حكم الخروج على الجائر من الأئمّة فقد سبق بيانه عند الكلام عن دوام الإمامة.
ويدعو للإمام بالصّلاح والنّصرة وإن كان فاسقاً. ويكره تحريماً وصفه بما ليس فيه من الصّفات كالصّالح والعادل، كما يحرم أن يوصف بما لا يجوز وصف العباد به. مثل شاهنشاه الأعظم، ومالك رقاب النّاس، لأنّ الأوّل من صفات اللّه فلا يجوز وصف العباد به، والثّاني كذب.
من ينعزل بموت الإمام:
22 - لا ينعزل بموت الإمام من عيّنه الإمام في وظيفةٍ عامّةٍ كالقضاة، وأمراء الأقاليم، ونظّار الوقف، وأمين بيت المال، وأمير الجيش. وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء، لأنّ الخلفاء الرّاشدين - رضي الله عنهم - ولّوا حكّاماً في زمنهم، فلم ينعزل أحد بموت الإمام، ولأنّ الخليفة أسند إليهم الوظائف نيابةً عن المسلمين، لا نوّاباً عن نفسه، فلا ينعزلون بموته، وفي انعزالهم ضرر على المسلمين وتعطيل للمصالح.
أمّا الوزراء فينعزلون بموت الإمام وانعزاله، لأنّ الوزارة نيابة عن الإمام فينعزل النّائب بموت المستنيب. لأنّ الإمام استناب الوزير ليعينه في أمور الخلافة.
عزل الإمام وانعزاله:
23 - سبق نقل كلام الماورديّ في مسألة عزل الإمام لطروء الفسق والجور عند الكلام عن دوام الإمام. ثمّ قال الماورديّ: أمّا ما طرأ على بدنه من نقصٍ فينقسم ثلاثة أقسامٍ:
أحدها: نقص الحواسّ، والثّاني: نقص الأعضاء، والثّالث: نقص التّصرّف.
فأمّا نقص الحواسّ فينقسم ثلاثة أقسامٍ: قسم يمنع من الإمامة، وقسم لا يمنع منها، وقسم مختلف فيه.
فأمّا القسم المانع منها فشيئان: أحدهما: زوال العقل. والثّاني: ذهاب البصر.
فأمّا زوال العقل فضربان: أحدهما: ما كان عارضاً مرجوّ الزّوال كالإغماء، فهذا لا يمنع من انعقاد الإمامة ولا يخرج منها، لأنّه مرض قليل اللّبث سريع الزّوال، «وقد أغمي على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في مرضه».
والضّرب الثّاني: ما كان لازماً لا يرجى زواله كالجنون والخبل، فهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون مطبقاً دائماً لا يتخلّله إفاقة، فهذا يمنع من عقد الإمامة واستدامتها، فإذا طرأ هذا بطلت به الإمامة بعد تحقّقه والقطع به،
والضّرب الثّاني: أن يتخلّله إفاقة يعود بها إلى حال السّلامة فينظر فيه: فإن كان زمان الخبل أكثر من زمان الإفاقة فهو كالمستديم يمنع من عقد الإمامة واستدامتها، ويخرج بحدوثه منها، وإن كان زمان الإفاقة أكثر من زمان الخبل منع من عقد الإمامة.
واختلف في منعه من استدامتها، فقيل: يمنع من استدامتها كما يمنع من ابتدائها، فإذا طرأ بطلت به الإمامة، لأنّ في استدامته إخلالاً بالنّظر المستحقّ فيه، وقيل: لا يمنع من استدامة الإمامة، وإن منع من عقدها في الابتداء، لأنّه يراعى في ابتداء عقدها سلامة كاملة، وفي الخروج منها نقص كامل.
وأمّا ذهاب البصر فيمنع من عقد الإمامة واستدامتها، فإذا طرأ بطلت به الإمامة، لأنّه لمّا أبطل ولاية القضاء، ومنع من جواز الشّهادة، فأولى أن يمنع من صحّة الإمامة.
¥