وأمّا القهر فهو أن يصير مأسوراً في يد عدوٍّ قاهرٍ لا يقدر على الخلاص منه، فيمنع ذلك عن عقد الإمامة له، لعجزه عن النّظر في أمور المسلمين، وسواء كان العدوّ مشركاً أو مسلماً باغياً، وللأمّة اختيار من عداه من ذوي القدرة. وإن أسر بعد أن عقدت له الإمامة فعلى كافّة الأمّة استنقاذه، لما أوجبته الإمامة من نصرته، وهو على إمامته ما كان مرجوّ الخلاص مأمول الفكاك إمّا قتال أو فداء، فإن وقع اليأس منه، لم يخل حال من أسره من أن يكونوا مشركين أو بغاة المسلمين، فإن كان في أسر المشركين خرج من الإمامة لليأس من خلاصه، واستأنف أهل الاختيار بيعة غيره على الإمامة، وإن خلص قبل الإياس فهو على إمامته. وإن كان مأسوراً مع بغاة المسلمين، فإن كان مرجوّ الخلاص فهو على إمامته، وإن لم يرج خلاصه، فالإمام المأسور في أيديهم خارج من الإمامة بالإياس من خلاصه، وعلى أهل الاختيار في دار العدل أن يعقدوا الإمامة لمن ارتضوا لها، فإن خلص المأسور لم يعد إلى الإمامة لخروجه منها.
واجبات الإمام:
24 - من تعريف الفقهاء للإمامة الكبرى بأنّها رئاسة عامّة في سياسة الدّنيا وإقامة الدّين نيابةً عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتبيّن أنّ واجبات الإمام إجمالاً هي كما يلي:
أ - حفظ الدّين على أصوله الثّابتة بالكتاب والسّنّة وإجماع سلف الأمّة وإقامة شعائر الدّين.
ب - رعاية مصالح المسلمين بأنواعها.
كما أنّهم - في معرض الاستدلال لفرضيّة نصب الإمام بالحاجة إليه - يذكرون أموراً لا بدّ للأمّة ممّن يقوم بها وهي: تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وسدّ الثّغور، وتجهيز الجيوش، وأخذ الصّدقات، وقبول الشّهادات، وتزويج الصّغار والصّغائر الّذين لا أولياء لهم، وقسمة الغنائم. وعدّها أصحاب كتب الأحكام السّلطانيّة عشرةً. ولا تخرج في عمومها عمّا ذكره الفقهاء فيما مرّ، على أنّ ذلك يزيد وينقص بحسب تجدّد الحاجات الزّمنيّة وما تقضي المصالح بأن لا يتولّاه الأفراد والهيئات، بل يتولّاه الإمام.
ولايات الإمام:
25 - الولاة من قبل الإمام تنقسم ولايتهم إلى أربعة أقسامٍ:
أ - ولاية عامّة في الأعمال العامّة، وهي: الوزارة، فهي نيابة عن الإمام في الأمور كلّها من غير تخصيصٍ.
ب - ولاية عامّة في أعمالٍ خاصّةٍ، وهي الإمارة في الأقاليم، لأنّ النّظر فيما خصّ بها عامّ في جميع الأمور.
ج - ولاية خاصّة في الأعمال العامّة: كرئاسة القضاء ونقابة الجيش، لأنّ كليهما مقصور على نظرٍ خاصٍّ في جميع الأعمال.
د - ولاية خاصّة في أعمالٍ خاصّةٍ كقاضي بلدٍ، أو مستوفي خراجه، وجابي صدقاته، لأنّ كلّاً من ولاية هؤلاء خاصّ بعملٍ مخصوصٍ لا يتجاوزه،
والتّفصيل في مصطلحي: (وزارة، إمارة)
مؤاخذة الإمام بتصرّفاته:
26 - يضمن الإمام ما أتلفه بيده من مالٍ أو نفسٍ بغير خطأٍ في الحكم أو تقصيرٍ في تنفيذ الحدّ والتّعزير كآحاد النّاس فيقتصّ منه إن قتل عمداً، وتجب الدّية عليه أو على عاقلته أو بيت المال في الخطأ وشبه العمد، ويضمن ما أتلفه بيده من مالٍ، كما يضمن ما هلك بتقصيره في الحكم، وإقامة الحدّ، والتّعزير. بالقصاص أو الدّية من ماله أو عاقلته أو بيت المال حسب أحكام الشّرع، وحسب ظروف التّقصير وجسامة الخطأ. وينظر التّفصيل في مصطلحات: (حدّ، وتعزير، وقصاص، وضمان).
وهذا القدر متّفق عليه بين الفقهاء، لعموم الأدلّة، ولأنّ المؤمنين تتكافأ دماؤهم، وأموالهم معصومة إلاّ بحقّها، وثبت «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم " أقاد من نفسه» وكان عمر رضي الله عنه يقيد من نفسه. والإمام والمعتدى عليه نفسان معصومتان كسائر الرّعيّة. واختلفوا في إقامة الحدّ عليه، فذهب الشّافعيّة إلى أنّه يقام عليه الحدّ كما يقام على سائر النّاس لعموم الأدلّة، ويتولّى التّنفيذ عليه من يتولّى الحكم عنه.
¥