تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يقام عليه الحدّ، لأنّ الحدّ حقّ اللّه تعالى، والإمام نفسه هو المكلّف بإقامته، ولا يمكن أن يقيمه على نفسه، لأنّ إقامته تستلزم الخزي والنّكال ولا يفعل أحد ذلك بنفسه، بخلاف حقّ العباد. أمّا حدّ القذف فقالوا: المغلّب فيه حقّ اللّه، فحكمه حكم سائر الحدود، فإقامته إليه كسائر الحدود. ولا ولاية لأحدٍ عليه. ليستوفيه، وفائدة الإيجاب الاستيفاء، فإذا تعذّر لم يجب. وفرّقوا بين الحدّ، وبين القصاص وضمان المتلفات بأنّهما من حقوق العباد فيستوفيهما صاحب الحقّ، ولا يشترط القضاء، بل الإمكان والتّمكّن، ويحصل ذلك بتمكينه من نفسه، إن احتاج إلى منعةٍ. فالمسلمون منعته، فبهم يقدر على الاستيفاء فكان الوجوب مفيداً.

هدايا الإمام لغيره:

27 - هدايا الإمام لغيره إن كانت من ماله الخاصّ فلا يختلف حكمه عن غيره من الأفراد، وينظر في مصطلح: (هديّة).

أمّا إن كانت من بيت المال، فإذا كان مقابلاً لعملٍ عامٍّ فهو رزق، وإن كان عطاءً شاملاً للنّاس من بيت المال فهو عطاء، وإن كانت الهديّة بمبادرةٍ من الإمام ميّز بها فرداً عن غيره فهي الّتي تسمّى (جائزة السّلطان) وقد اختلف فيها، فكرهها أحمد تورّعاً لما في بعض موارد بيت المال من الشّبهة، لكنّه نصّ على أنّها ليست بحرامٍ على آخذها، لغلبة الحلال على موارد بيت المال، وكرهها ابن سيرين لعدم شمولها للرّعيّة، وممّن تنزّه عن الأخذ منها حذيفة وأبو عبيدة ومعاذ وأبو هريرة وابن عمر. هذا من حيث أخذ الجوائز.

أمّا من حيث تصرّف الإمام بالإعطاء فيجب أن يراعى فيه المصلحة العامّة للمسلمين دون اتّباع الهوى والتّشهّي، لأنّ تصرّف الإمام في الأموال العامّة وغيرها من أمور المسلمين منوط بالمصلحة.

قبول الإمام الهدايا:

28 - لم يختلف العلماء في كراهية الهديّة إلى الأمراء.

ذكر ابن عابدين في حاشيته: أنّ الإمام (بمعنى الوالي) لا تحلّ له الهديّة، للأدلّة - الواردة في هدايا العمّال ولأنّه رأس العمّال.

وقال ابن حبيبٍ: لم يختلف العلماء في كراهية الهديّة إلى السّلطان الأكبر وإلى القضاة والعمّال وجباة الأموال. وهذا قول مالكٍ ومن قبله من أهل العلم والسّنّة. «وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقبل الهديّة»، وهذا من خواصّه، والنّبيّ صلى الله عليه وسلم معصوم ممّا يتّقي على غيره منها، ولمّا " ردّ عمر بن عبد العزيز الهديّة، قيل له: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقبلها، فقال: كانت له هديّةً وهي لنا رشوة، لأنّه كان يتقرّب إليه لنبوّته لا لولايته، ونحن يتقرّب بها إلينا لولايتنا ".

هدايا الكفّار للإمام:

29 - لا يجوز للإمام قبول هديّةٍ من كفّارٍ أشرفت حصونهم على السّقوط بيد المسلمين، لما في ذلك من توهين المسلمين وتثبيط همّتهم. أمّا إذا كانوا بقوّةٍ ومنعةٍ جاز له قبول هديّتهم. وهي للإمام إن كانت من قريبٍ له، أو كانت مكافأةً، أو رجاء ثوابٍ (أي مقابلٍ). وإن كانت من غير قريبٍ، وأهدى بعد دخول الإمام بلدهم فهي غنيمة. وهم فيء قبل الدّخول في بلدهم.

هذا إذا كانت من الأفراد، أمّا إذا كانت من الطّاغية أي رئيسهم، فإنّها فيء إن أهدى قبل دخول المسلمين في بلدهم، وغنيمة بعد الدّخول فيه، وهذا التّفصيل للمالكيّة. وعند أحمد: يجوز للإمام قبول الهديّة من أهل الحرب، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل هديّة المقوقس صاحب مصر»، فإن كان ذلك في حال الغزو فما أهداه الكفّار لأمير الجيش أو لبعض قوّاده فهو غنيمة، لأنّه لا يفعل ذلك إلاّ خوفاً من المسلمين، فأشبه ما لو أخذه قهراً. وأمّا إن أهدى من دار الحرب، فهو لمن أهدى إليه سواء كان الإمام أو غيره، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل الهديّة منهم»، فكانت له دون غيره. وعزا ابن قدامة هذا إلى الشّافعيّ أيضاً، ونقل عن الإمام أبي حنيفة: أنّها للمهدى له بكلّ حالٍ، لأنّه خصّه بها، فأشبه ما لو أهدي له من دار الإسلام، وحكى في ذلك روايةً عن أحمد وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لو أهدى مشرك إلى الأمير أو إلى الإمام هديّةً، والحرب قائمة فهي غنيمة، بخلاف ما لو أهدى قبل أن يرتحلوا عن دار الإسلام، فإنّه للمهدى إليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير