تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((يَمِين الله ملأى لا يغيضها نفقة 000 وبيده الأخرى القبض؛ يرفع ويخفض)). رواه: البخاري، ومسلم. وقد تقدم قبل قليل. ورواه ابن خزيمة في ((كتاب التوحيد))، وسنده صحيح؛ بلفظ: ((وبيَمِينه الأخرى القبض 000)).

أقوالهم:

قال ابن خزيمة في ((كتاب التوحيد)) (1/ 159): ((باب: ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح أنَّ لخالقنا جلَّ وعلا يدين، كلتاهما يَمِينان، لا يسار لخالقنا عَزَّ وجَلَّ؛ إذ اليسار من صفة المخلوقين، فَجَلَّ ربنا عن أن يكون له يسار)).

وقال أيضاً (1/ 197): ((000 بل الأرض جميعاً قبضةُ ربنا جَلَّ وعلا، بإحدى يديه يوم القيامة، والسماوات مطويات بيَمِينه، وهي اليد الأخرى، وكلتا يدي ربنا يَمِين، لا شمال فيهما، جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار؛ إذ كون إحدى اليدين يساراً إنما يكون من علامات المخلوقين، جل ربنا وعز عن شبه خلقه)) اهـ.

وقال الإمام أحمد بن حنبل – كما في ((طبقات الحنابلة)) لأبي يعلى (1/ 313) -: ((وكما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: ((وكلتا يديه يَمِين))، الإيمان بذلك، فمن لم يؤمن بذلك، ويعلم أنَّ ذلك حق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو مُكَذِّبٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم)).

وسئل الشيخ الألباني-رحمه الله- في ((مجلة الأصالة)) (ع4، ص 68): ((كيف نوفِّق بين رواية: ((بشماله)) الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في ((صحيح مسلم)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وكلتا يديه يَمِين)

جواب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: ((000 وكلتا يديه يَمِين)): تأكيد لقوله تعالى: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ?؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيدٌ للتنْزيه، فيدُ الله ليست كيدِ البشر: شمال ويَمِين، ولكن كلتا يديه سبحانه يَمِين.

وأمر آخر؛ أنَّ رواية: ((بشماله)): شاذة؛ كما بيَّنتها في ((تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن)) (رقم 1) للمودودي.

ويؤكد هذا أنَّ أبا داود رواه وقال: ((بيده الأخرى) بدل: ((بشماله) وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وكلتا يديه يَمِين))، والله أعلم)).

مناقشة الأدلة التي تثبت صفة (الشِّمال) و (اليَسَار):

1 - حديث عبدالله بن عمر عند مسلم (2788 - 24)، وفيه لفظة (الشِّمال)، تفرد بها عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم عن ابن عمر، وعمر بن حمزة ضعيف، والحديث عند البخاري (7412) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وعند مسلم (2788 - 25و26) من طريق عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة (الشِّمال).

قال الحافظ البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 55): ((ذكر (الشِّمال) فيه، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر؛ لم يذكرا فيه الشِّمال. وروى ذكر الشِّمال في حديث آخر في غير هذه القصة؛ إلا أنه ضعيف بمرة، تفرد بأحدهما: جعفر بن الزبير، وبالآخر: يزيد الرقاشي. وهما متروكان، وكيف ذلك؟! وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمَّى كلتي يديه يَمِيناً)) اهـ.

2 - حديث أبي الدرداء رضي الله عنه المتقدم، وفيه: ((وقال للتي في يساره إلى النار ولا أبالي)). رواه عبد الله ابن الإمام أحمد والبَزَّار، روى هذا الحديث أحمد في ((المسند)) (6/ 441)، ورواه أيضاً ابن عساكر في ((تاريخ دمشق))؛ كما أفاده الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في ((الصحيحة)) (49) وعندهما: ((وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالي))، والضمير هنا يعود على آدم عليه السلام، وإسنادهم واحد، صححه الألباني.

3 - قولهم: ((إنَّ ذكر اليَمِين يدل على أنَّ الأخرى شمال)): قول صحيح لو لم يرد ما يدل على أنَّ كلتا يدي الله يَمِين.

مناقشة الأدلة التي تثبت أنَّ يدي الله كلتاهما يَمِين:

وصفُ اليدين بأنَّ كلتيهما يَمِين لا يعني عند العرب أنَّ الأخرى ليست يَسَاراً، بل قد يوصف الإنسان بأنَّ يديه كلتاهما يَمِين كما قال المرَّار:

((وإِنَّ عَلَى الأمانَةِ مِنْ عَقِيلٍ * * * فَتىً كِلْتَا اليدَيْنِ لَهُ يَمِينَ))

ولا يعني أن لا شمال له، بل هو من كرمه وعطائه شماله كيَمِينه.

انظر البيت في: ((مختلف تأويل الحديث)) لابن قتيبة (ص 247).

ولُقِّب أبو الطيب طاهر بن الحسين بن مصعب بذي اليَمِينين، كتب له أحد أصحابه:

((للأمِيرِ المُهَذَّبِ ... ذِي اليَمِينينِ طَاهِرِ بـ

المُكَنَّى بِطَيِّبِ ـنِ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبِ))

انظر: ((ثمار القلوب)) (ص 291).

كما أنَّ العرب تسمى الرجل ذا الشِّمالَين، وقد سمي عمير بن عبد عمرو بن نضلة رضي الله عنه بذلك، وقيل: بل هو ذو اليدين. راجع: ((الإصابة))

ولا يعنون بذي الشِّمالَين؛ أي: لا يَمِين له.

الترجيح:

إنَّ تعليل القائلين بأنَّ إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ يَمِين والأخرى شمال، وأننا إنما نقول: كلتاهما يَمِين؛ تأدباً وتعظيماً؛ إذ الشِّمال من صفات النقص والضعف، قول قوي، وله حظٌ من النظر؛ إلا أننا نقول: إنَّ صفات الله توقيفية، وما لم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في وصف إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ بالشِّمال أو اليَسَار؛ فإننا لا نتعدى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلتاهما يَمِين)). والله أعلم.ا. هـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير