(المسألة الثانية) من ترك الصلاة غير جاحد قسمان: أحدهما تركها لعذر كنوم ونحوهما فعليه القضاء فقط , ووقته موسع ولا إثم عليه. والثاني: تركها بلا عذر تكاسلا وتهاونا فيأثم بلا شك ويجب قتله إذا أصر , وهل يكفر؟ فيه وجهان حكاهما المصنف وغيره , أحدهما يكفر , قال العبدري: وهو قول منصور الفقيه من أصحابنا وحكاه المصنف في كتابه في الخلاف عن أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا , والثاني: لا يكفر وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور , وقد ذكر المصنف دليلهما وسنوضحه في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى. وقال المزني يحبس ويؤدب ولا يقتل , وإذا قلنا يقتل فمتى يقتل؟ فيه خمسة أوجه الصحيح يقتل بترك صلاة واحدة إذا ضاق وقتها , وهذا هو الذي اختاره المصنف في التنبيه , ولم يذكره هنا. والثاني: إذا ضاق وقت الثانية. والثالث: إذا ضاق وقت الرابعة , والرابع إذا ترك أربع صلوات. والخامس: إذا ترك من الصلوات قدرا يظهر لنا به اعتياده الترك وتهاونه بالصلاة. والمذهب الأول , وعلى هذا قال أصحابنا: الاعتبار بإخراج الصلاة عن وقت الضرورة , فإذا ترك الظهر لم يقتل حتى تغرب الشمس , وإذا ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر. قال الرافعي هكذا حكاه الصيدلاني وتابعه عليه الأئمة.
(المسألة الثالثة) قال أصحابنا: على الأوجه كلها لا يقتل حتى يستتاب , وهل تكفي الاستتابة في الحال؟ أم يجب استتابته ثلاثة أيام؟ فيه قولان , قال صاحب العدة وغيره الأصح أنه في الحال , والقولان في استحباب الاستتابة على الأصح وقيل في وجوبها.
(الرابعة) الصحيح المنصوص عليه في البويطي أنه يقتل بالسيف ضربا للرقبة كما يقتل المرتد وفيه وجه أنه ينخس بحديدة أو يضرب بخشبة , ويقال له: صل وإلا قتلناك ولا يزال يكرر عليه حتى يصلي أو يموت , وهذا قول ابن سريج كما حكاه المصنف والأصحاب.
(فرع) إذا قتل فالصحيح أنه يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويرفع قبره كغيره , وفيه خلاف سنذكره في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى.
(فرع) إذا أراد السلطان قتله فقال: صليت في بيتي تركه ; لأنه أمين على صلاته , صرح به صاحب التهذيب وغيره , ولو ترك الصلاة وقال: تركتها ناسيا أو للبرد أو لعدم الماء أو لنجاسة كانت علي ونحو ذلك من الأعذار صحيحة كانت الأعذار أم باطلة قال صاحب التتمة: يقال له: صل فإن امتنع لم يقتل على المذهب ; لأن القتل يستحق بسبب تعمد تأخيرها عن الوقت , ولم يتحقق ذلك. وفيه وجه أنه يقتل لعناده , ولو قال: تعمدت تركها ولا أريد فعلها قتل بلا خلاف , وإن قال: تعمدت تركها بلا عذر ولم يقل ولا أصليها قتل أيضا على الصحيح لتحقق جنايته , وفيه وجه أنه لا يقتل ما لم يصرح بترك القضاء.
ثم قال بعد ذلك
(فرع) في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلا مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حدا ولا يكفر , وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف , وقالت طائفة: يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء , وهو مروي عن علي بن أبي طالب وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين عن أحمد وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا كما سبق. وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي , واحتج لمن قال بكفره بحديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة} " رواه مسلم بهذا اللفظ , وهكذا الرواية " الشرك والكفر " بالواو , وفي غير مسلم " الشرك أو الكفر " وأما الزيادة التي ذكرها المصنف وهي قوله: (فمن تركها فقد كفر) فليست في صحيح مسلم وغيره من الأصول. وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} رواه الترمذي والنسائي. قال الترمذي: حديث حسن صحيح وعن شقيق بن عبد الله العقيلي التابعي المتفق على جلالته قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " رواه الترمذي في كتاب الإيمان بإسناد صحيح واحتجوا بالقياس على كلمة التوحيد. واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
¥