تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كيف نعرف الضلال و كيف ونتجنبه]

ـ[ Abou Anes] ــــــــ[28 - 06 - 02, 02:00 ص]ـ

وهذا القدر الذي وقع فيه ضلال المتفلسفة لم يقصده عقلاؤهم في الأصل، بل كان غرضهم تحقيق الأمور والمعارف، لكن وقعت لهم شبهات ضلوا بها، كما ضل من ضل ابتداء من المشركين منهم ومن غيرهم من الكفار ممن ضل ببعض الشبهات، ولهذا يجب على من يريد كشف ضلال هؤلاء وأمثالهم: أن يوافقهم على لفظ مجمل حتى يتبين معناه، ويعرف مقصوده، ويكون الكلام في المعاني العقلية المبينة، لا في معان مشتبهة بألفاظ مجملة.

واعلم أن هذا نافع في الشرع والعقل:

أما الشرع: فإن علينا أن نؤمن بما قاله الله ورسوله، فكل ما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، فعلينا أن نصدق به، وإن لم نفهم معناه، لأنا قد علمنا أنه الصادق المصدوق الذي لا يقول على الله إلا الحق، وما تنازع فيه الأمة من الألفاظ المجملة كلفظ المتحيز والجهة، والجسم، والجوهر، والعرض وأمثال ذلك، فليس على أحد أن يقبل مسمى اسم من هذه الأسماء، لا في النفي ولا في الإثبات، حتى يتبين له معناه، فإن كان المتكلم بذلك أراد معنى صحيحاً، وافقاً لقول المعصوم كان ما أراده حقاً، وإن كان أراد به معنى مخالفاً لقول المعصوم كان ما أراده باطلاً.ثم يبقى النظر في إطلاق ذلك اللفظ ونفيه، وهي مسألة فقهية، فقد يكون المعنى صحيحاً ويمتنع من إطلاق اللفظ لما فيه من مفسدة، وقد يكون اللفظ مشروعاً ولكن المعنى الذي أراده المتكلم باطل، كما قال علي رضي الله عنه ـ لمن قال من الخوارج المارقين لا حكم إلا لله ـ: كلمة حق أريد بها باطل.

وقد يفرق بين اللفظ الذي يدعى به الرب، فإنه لا يدعى إلا بالأسماء الحسنى،وبين ما يخبر به عنه لإثبات حق أو نفي باطل.

وإذا كان في باب العبارة عن النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نفرق بين مخاطبته وبين الإخبار عنه، فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى، حيث قال" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " [النور:63] فلا نقول: يا محمد، يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضاً بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله.

والله سبحانه وتعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم فقال " يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة" [البقرة:35]، "يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " [هود:48]، " يا موسى * إني أنا ربك" [طه:11 - 12]، " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " [آل عمران:55]، ولما خاطبه صلى الله عليه وسلم قال" يا أيها النبي " [التحريم:1]، " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" [المائدة:41]، "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" [المائدة:67]، " يا أيها المزمل" [المزمل:1]، " يا أيها المدثر" [المدثر:1]، فنحن أحق أن نتأدب في دعائه وخطابه.

وأما إذا كان في مقام الإخبار عنه قلنا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وقلنا: محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" [الحزاب:40]،وقال "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا" [الفتح:29]، وقال " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" [آل عمران:144]، وقال " والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد" [محمد:2].

فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل، وبه يظهر الفرق بين ما يدعى الله به من الأسماء الحسنى، وبين ما يخبر به عنه وجل مما هو حق ثابت، لإثبات ما يستحقه سبحانه من صفات الكمال، ونفي ما تنزه عنه عز وجل من العيوب والنقائص، فإنه الملك القدوس السلام، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

وقال تعالى" ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه" [الأعراف:180] مع قوله" قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم" [الأنعام:19]، ولا يقال في الدعاء: يا شيء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير