تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما نفع هذا الاستفسار في العقل: فمن تكلم بلفظ يحتمل معاني لم يقبل قوله ولم يرد حنى نستفسره ونستفصله حتى يتبين المعنى المراد، ويبقى الكلام في المعاني العقلية،لا في المنازعات اللفظية، فقد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء،ومن كان متكلماً بالمعقول الصرف لم يتقيد بلفظ، بل يجرد بأي عبارة دلت عليه.

أرباب المقالات تلقوا عن أسلافهم مقالات بألفاظ لهم: منها ما كان أعجمياً، فعربت، كما عربت ألفاظ اليونان والهند والفرس وغيرهم، وقد يكون المترجم عنهم صحيح الترجمة، وقد لا يكون صحيح الترجمة. ومنها ما هو عربي.

ونحن إنما نخاطب الأمم بلغتنا العربية، فإذا نقلوا عن أسلافهم لفظ الهيولى، والصورة، والمادة، والعقل، والنفس، والصفات الذاتية، والعرضية، والمجرد، والتركيب والتأليف، والجسم، والجوهر، والعرض، والماهية، والجزءونحو ذلك، بين ما تحتمل هذه الألفاظ من المعاني، كما إذا قال قائلهم:النوع مركب من الجنس والفصل، كتركيب الإنسان من الحيوان والناطق، أو من الحيوانية والناطقية، وإن هذه أجزاء الإنسان وأجزاء الحد، والواجب سبحانه إذا كان له صفات لزم أن يكون مركباً، ولمركب مفتقر إلى أجزائه، والمفتقر إلى أجزائه لا يكون واجباً ـ

استفسروا عن لفظ التركيب، والجزء، والافتقار، والغير فإن جميع هذه الألفاظ فيها اشتراك والتباس وإجمال.

فإذا قال القائل: الإنسان مركب من الحيوان والناطق، أو من الحيوانية والناطقية.

قيل له:أتعني بذلك الإنسان الموجود في الخارج، وهو هذا الشخص وهذا الشخص، أو تعني الإنسان المطلق من حيث هو هو؟

فإن أراد الأول. قيل له: هذا الإنسان، وهذا الإنسان، وغيرهما، إذا قلت ك هو مركب من هذين الجزأين.

فيقال لك: الحيوان والناطق جوهران قائمان بأنفسهما.

فإذا قلت: هما جزءان للإنسان الموجود في الخارج لزم أن يكون الإنسان الموجود في الخارج فيه جوهران: أحدهما حيوان، والآخر ناطق، غير الإنسان المعين. وهذا مكابرة للحس والعقل.

وإن قال: أنا أريد بذلك أن الإنسان يوصف بأنه حيوان وأنه ناطق.

قيل له: هذا معنى صحيح، لكن تسمية الصفات أجزاء، ودعوى أن الموصوف مركب منها وأنها متقدمة عليه، ومقومة له في الوجودين الذهني والخارجي، كتقدم الجزء على الكل، والبسيط على المركب، ونحو ذلك مما يقولونه في هذا الباب: هو مما يعلم فساده بصريح العقل.

وإن قال: هو مركب من الحيوانية والناطقية.

قيل له: إن أردت بالحيوانية والناطقية: الحيوان والناطقن كان الكلام واحداً. وإن أردت العرضين القائمين بالحي الناطق، وهما: صفتاه، كان مضمونه أن الموصوف مركب من صفاته، وأنها أجزاء له، ومقومة له، وسابقة عليه، ومعلوم أن الجوهر لا يتركب من الأعراض، وأن صفات الموصوف لا تكون سابقة له في الوجود الخارجي.

وإن قال: أنا أريد بذلك أن الإنسان من حيث هو هو مركب من ذلك.

قيل له: إن الإنسان من حيث هو هو لا وجود له في الخارج، بل هذا هو الإنسان المطلق، والمطلقات لا تكون مطلقة إلا في الأذهان، فقد جعلت المركب هو ما يتصوره الذهن، وما يتصوره الذهن هو مركب من الأمور التي يقدرها الذهن. فإذا قدرت في النفس جسماً حساساً متحركاً بالإرادة ناطقاً كان هذا المتصور في الذهن مركباً من هذه الأمور، وإن قدرت في النفس حيواناً ناطقاً كان مركباً من هذا وهذا، وإن قدرت حيواناً صاهلاً كان مركباً من هذا وهذا.

وإن قلت: إن الحقائق الموجودة في الخارج مركبة من هذه الصور الذهنية كان هذا معلوم الفساد بالضرورة.

وإن قلت: إن هذه مطابقة لها وصادقة عليها فهذا يكون صحيحاً إذا كان ما في النفس علماً لا جهلاً.

وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن سوغ جعل الحقائق المتنوعة حقيقة واحدة بالعين كان كلامه مستلزماً أن يجعل وجود الحقائق المتنوعة وجوداً واحداً بالعين، بل هذا أولى، لأن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود، فمن اشتبه عليه أن العلم هو القدرة وأنهما نفس الذات العالمة القادرة: كان أن يشتبه عليه أن الوجود واحد أولى وأحرى.

وهذه الحجة المبينة على التركيب هي أصل قول الجهمية نفاة الصفات والأفعال، وهم الجهمية من المتفلسفة ونحوهم، ويسمون ذلك التوحيد.

المصدر:

درء تعارض النقل والعقل لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ

الجزء:1

الصفحة:173

ـ[ Abou Anes] ــــــــ[29 - 06 - 02, 02:57 ص]ـ

معرفة هذه المسألة يحل الكثير من المشاكل، والتي نحن في غنى عنها ..

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير