قال أصحابنا: إن كانت الصلاة مما يتنفل بعدها فالسنة أن يرجع إلى بيته ليفعل النافلة؛ لأن فعلها في البيت أفضل لقوله ?: ((صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) رواه البخاري ومسلم ().
وذكر أحاديث أخر وكلاماً ثم قال:
[قال] () أصحابنا: فإن صلى النافلة في المسجد جاز، وإن كان خلاف الأفضل لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((صليت مع النبي ? سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعدها، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأمّا المغرب والعشاء ففي بيته)) رواه البخاري ومسلم ().
قال: فظاهره أنّ الباقي صلاها في المسجد لبيان الجواز في بعض الأوقات، وواظب على الأفضل في معظم الأوقات وهو صلاة النافلة في البيت، وفي الصحيحين: ((أنّ النبي ? صلّى ليالي في رمضان في المسجد غير المكتوبات)) (). انتهى كلام الشيخ محيي الدين رحمه الله ().
وهو ظاهر في ترجيح فعل النافلة في البيت على فعلها في المسجد وإن كان أحد المساجد الثلاثة.
وقال أيضاً في باب صلاة التطوع من شرح المهذب:
قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: فعل ما لا تُسنُّ له الجماعة من التطوع في بيته أفضل منه في المسجد وغيره، سواء في ذلك تطوع الليل والنهار، وسواء الرواتب مع الفرائض وغيرها، وعجب من المصنف رحمه الله - يعني في المهذب - في تخصيصه بتطوع النهار، وكان ينبغي أن يقول [4 / أ]: وفعل التطوع في البيت أفضل. كما قاله في التنبيه ()، وكما قاله الأصحاب وسائر العلماء ().
وظاهر هذا الكلام التعميم بالنسبة إلى المساجد من غير استثناء المساجد الثلاثة من غيرها.
وقال فيه أيضاً في باب استقبال القبلة ():
قال أصحابنا: النفل في الكعبة أفضل منه خارجها، وكذا الفرض إن لم يرج جماعة أو أمكن الجماعة الحاضرين الصلاة فيها، فإن لم يمكن فخارجها [أفضل] ().
ثم احتج لذلك بنصِّ الشافعي ? فإنه قال في الأم:
قضاء الفريضة الفائتة في الكعبة أحبّ إليّ من قضائها خارجها، قال: وكلما قرب منها كان أحبّ إليّ مما بعد، وكذا المنذورة في الكعبة أفضل من خارجها. قال الشافعي: ولا موضع أفضل ولا أطهر للصلاة من الكعبة ().
وهذا الكلام من الشيخ محيي الدين رحمه الله يقتضي ترجيح النفل في الكعبة على غيره، وربما فيه منافاة للقولين اللذين تقدم نقلهما آنفاً، اللهم إلا أن يُقال: إن مراده أنّ صلاة النفل داخل الكعبة أفضل منه خارجها، وإن كان فعلها في البيت أفضل.
وأمّا احتجاجه لذلك بما ذكر من نصّ الشافعي ? ففيه نظر؛ ولا يلزم من أفضليتهما في الكعبة أفضلية النفل؛ لدلالة الأحاديث الآتي ذكرها على أن فعل النافلة في البيت أفضل، وقد أشار الشافعي ? إلى ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى، على أنّ في ترجيح الصلاة داخل الكعبة على خارجها نظر؛ لوجود الخلاف في صحة ذلك ()، وليس هذا موضع بسط الكلام في ذلك.
وقال الشيخ محيي الدين أيضاً في شرح المهذب في باب صفة الحج:
اختلف العلماء في التطوع في المسجد الحرام بالصلاة والطواف أيّهما أفضل؟ فقال صاحب الحاوي (): الطواف أفضل، وظاهر إطلاق المصنف في قوله [في] () باب صلاة التطوع: أفضل عبادات البدن الصلاة أنّ الصلاة أفضل، وقال ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير ومجاهد: الصلاة لأهل مكة أفضل، والطواف للغرباء أفضل () ().
وهذا الخلاف يقتضي [4/ ب] أن يكون التطوع في المسجد الحرام أفضل منه في البيت إذ لا يصح التفاضل بين الطواف الذي لا يصح فعله إلا في المسجد وبين الصلاة التي هي مفضولة بالنسبة إلى فعلها في البيوت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فتحصّل من هذا كله اضطراب النقل في النوافل: هل فعلها في المساجد الثلاثة أفضل أو في البيوت؟
والذي تقتضيه الأحاديث عند المحققين أنّ فعلها في البيوت أفضل، إلا ما شرع له الجماعة كالعيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح على الأصح، وكذا ركعتي الطواف اتباعاً لفعله ? لهما خلف المقام، وكذلك تحية المسجد لاختصاصها بالمسجد، وما عدا ذلك ففعله في البيت أفضل لدخوله تحت قوله ?: ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) ()، وعدم ما يدل على إخراجه من هذا العموم.
¥