ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[23 - 01 - 03, 01:52 م]ـ
صاحب الفضيلة حضرة الشيخ الجليل محمد الأمين أمّنك الله من الفزع الأكبر، هذا مالديّ حول استفسارات فضيلتكم:
1) من الذي منع من قضية الاختيار في القراءات؟
الجواب: لقد كان العمل خلال القرون الثلاثة المفضلة على أن من قرأ على شيخ واحد اتبعه في اختياره لأن القراءة سنة متبعة ليس فيها مجال للرأي، ومن قرأ على أكثر من شيخ بقراءات مختلفة فإنه إما أن يتبع أحدهم، وإما أن يؤلف لنفسه قراءة يختارها من بين ما قرأ به على مشايخه، ولم تكن الاختيارات محصورة في اختيارات القراء السبعة ورواتهم، بدليل أن أبا جعفر الطبري المتوفى سنة 310 كان له اختيار جمعه من بين 22 قراءة قرأ بها وضمنها في كتابه القراءات، وكان من بين تلاميذ الطبري الذين قرؤوا عليه باختياره هذا ابن مجاهد نفسه (مسبع السبعة)، وفي القرون الأولى كانت الاختيارات عديدة فأبو حاتم السجستاني روى 24 قراءة منها 4 من القراءات السبع و20 قراءة أخرى، وبعد هؤلاء روى الإمام الهذلي في كتابه الكامل 50 قراءة، وكل هذه القراءات لا تخرج عن الأحرف السبعة، فعملية الاختيارات مثل التوافيق والتباديل في الرياضيات، فمثلا لو كان في الآية ثلاث كلمات كل كلمة ثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم 3 أوجه في قراءتها، فبالتالي هذه الآية تحتمل أن تقرأ بـ 27 قراءة حاصل ضرب 3×3×3، والذي حصل [لحكمة يعلمها الله] أن ابن مجاهد وهو شيخ قراء زمانه وهو تلميذ الطبري وشيخ الدارقطني ألف كتابا اقتصر فيه على سبع قراءات كانت وجهة نظره أنها أرجح القراءات وكان تأليفه لهذا الكتاب سنة 300 هـ بالضبط [سبحان الله كأن لهذه السنة سرا معينا في انتهاء عصر المتقدمين في القراءات كما انتهى في الحديث] فعكف تلاميذه على كتابه وقصرت الهمم، وحصل مثل ما حصل من الاقتصار على المذاهب الأربعة، ومثل ما حصل في كتب السنة، أنك لا يصح بعد عصر التدوين أن تخلط رواية كتاب برواية كتاب آخر فتؤلف رواية من بين مجموع روايات الكتب، فكذلك في القرآن منع الأئمة التركيب بمعنى خلط الروايات بعضها ببعض، وإن كان المحققون على أنه يكره ولا يليق بالعالم ولكنه لا يمتنع ولكن بشرط ألا يركّب بكيفية تخل باللغة مثل أن يقرأ (فتلقى آدم) بالرفع (من ربه كلمات) بالرفع أيضا، لأن الذين قرؤوا آدم بالرفع نصبوا كلمات والذين رفعوا كلمات نصبوا آدم، واشترطوا أيضا ألا يكون في مقام الرواية، فإذا قال إنه سيقرأ برواية حفص فليس له أن يقرأ (ملك يوم الدين) مثلا لأن حفصا قرأ (مالك) فتكون قد كذبت عليه
2) قولكم وفقكم الله: [مثلاً حفص لم تكن قراءته مطابقة لعاصم بل سمعت أنه قرأ عن سبعين شيخاً غير عاصم، واختار منهم.]
هذا خلاف المعروف في ترجمة حفص فالمعروف أنه لم يقرأ ختمة كاملة على غير عاصم، ولم يخالف عاصما إلا في كلمة واحدة، قال ابن الجزري: وذكر حفص أنه لم يخالف عاصماً في شيء من قراءته إلا في
حرف الروم (الله الذي خلقكم من ضعف) قرأه بالضم وقرأه عاصم بالفتح. اهـ
والذي قرأ على سبعين من التابعين واختار من بين قراءتهم هو نافع
وكذلك تلميذه ورش قرأ على غير نافع وكان له اختيار خالف فيه شيخه
وكذلك اليزيدي تلميذ أبي عمرو له اختيار خالف فيه شيخه في عشر كلمات
وكذا خلف تلميذ حمزة له اختيار خالف فيه شيخه، وقد صار اختياره هذا قراءة مستقلة عدت من الثلاث المكملة للعشر.
3) قولكم وفقكم الله: (أريد أن أتعلم قراءة غير قراءة حفص عن عاصم، وقد نصحوني بقراءة ورش (وليس قالون) عن نافع. قالوا لأنها كانت قراءة أهل المدينة أيام الإمام مالك، مما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها أكثر من غيرها، خاصة أن فيها المد طويل وهذا يوافق ما جاء في وصف قراءته في الحديث.)
الجواب: قد أحسنوا النصيحة، ولكن أخطؤوا في جزء من التعليل، فقراءة أهل المدينة هي قراءة نافع، وتلميذه المقرب هو ابن زوجته قالون وقد قرأ قالون على نافع 40 ختمة، ومالك لم يقرأ على ورش وإنما قرأ على نافع نفسه، وأما ورش فكان مصريا وكان قد قرأ على مشايخه المصريين، ثم رحل إلى نافع فقرأ عليه 4 ختمات وقرأ ورش بما يوافق قراءته على مشايخه المصريين، فأقره نافع على ما وافق وجها من الوجوه التي قرأ بها على شيوخه الـ 70، فالخلاصة أن رواية ورش ليست أقرب إلى ما اختاره نافع لنفسه، ورواية قالون عنه هي اختيار نافع لنفسه، وأما التعليل بأنها أفضل لما فيها من المدود فحسن، علما بأن ورشا له طريقان أحدهما طريق الأزرق وهو الذي فيه مد المتصل والمنفصل 6 حركات والبدل 2أو 4 أو 6 و اللين 4أو 6، والطريق الثاني طريق الأصبهاني عن ورش وفيه المنفصل 2أو 4 والمتصل 4 ولا مد فيه في البدل ولا اللين.
4) وأي القراءات تنصح بها من حيث جمالها؟
وجهة نظري أن أجمل الروايات ورش عن نافع ثم خلف عن حمزة، وهما أحب روايتين إليّ، والله أعلم.
¥