(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:31) (قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة:32)
الفوائد:
1. من فوائد الآيتين: بيان أن الله تعالى قد يمنّ على بعض عباده بعلم لا يعلمه الآخرون؛ وجهه: أن الله علم آدم أسماء مسميات كانت حاضرة، والملائكة تجهل ذلك.
2. ومنها: أن اللغات توقيفية. وليست تجريبية؛ "توقيفية" بمعنى أن الله هو الذي علم الناس إياها؛ ولولا تعليم الله الناسَ إياها ما فهموها؛ وقيل: إنها "تجريبية" بمعنى أن الناس كوَّنوا هذه الحروف والأصوات من التجارب، فصار الإنسان أولاً أبكم لا يدري ماذا يتكلم، لكن يسمع صوت الرعد، يسمع حفيف الأشجار، يسمع صوت الماء وهو يسيح على الأرض، وما أشبه ذلك؛ فاتخذ مما يسمع أصواتاً تدل على مراده؛ ولكن هذا غير صحيح؛ والصواب أن اللغات مبدؤها توقيفي؛ وكثير منها كسبي تجريبي يعرفه الناس من مجريات الأحداث؛ ولذلك تجد أن أشياء تحدث ليس لها أسماء من قبل، ثم يحدث الناس لها أسماء؛ إما من التجارب، أو غير ذلك من الأشياء.
3. ومن فوائد الآيتين: جواز امتحان الإنسان بما يدعي أنه مُجيد فيه.
4. ومنها: جواز التحدي بالعبارات التي يكون فيها شيء من الشدة؛ لقوله تعالى: {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.
5. ومنها: أن الملائكة تتكلم؛ لقوله تعالى: (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).
6. ومنها: اعتراف الملائكة. عليهم الصلاة والسلام. بأنهم لا علم لهم إلا ما علمهم الله عزّ وجل ّ. ويتفرع على ذلك أنه ينبغي للإنسان أن يعرف قدر نفسه، فلا يدَّعي علم ما لم يعلم.
7. ومنها: شدة تعظيم الملائكة لله عزّ وجلّ، حيث اعترفوا بكماله، وتنزيهه عن الجهل بقولهم: {سبحانك}؛ واعترفوا لأنفسهم بأنهم لا علم عندهم؛ واعترفوا لله بالفضل في قولهم: {إلا ما علمتنا}.
8. ومنها: إثبات اسمين من أسماء الله؛ وهما {العليم}، و {الحكيم}؛ فـ {العليم}: ذو العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً لما كان، وما يكون من أفعاله، وأفعال خلقه.
و {الحكيم}: ذو الحكمة البالغة التي تعجز عن إدراكها عقول العقلاء وإن كانت قد تدرك شيئاً منها؛ و "الحكمة" هي وضع الشيء في موضعه اللائق به؛ وتكون في شرع الله، وفي قدر الله؛ أما الحكمة في شرعه فإن جميع الشرائع مطابقة للحكمة في زمانها، ومكانها، وأحوال أممها؛ فما أمر الله بشيء، فقال العقل الصريح: "ليته لم يأمر به"؛ وما نهى عن شيء، فقال: "ليته لم ينهَ عنه"؛ وأما الحكمة في قدره فما من شيء يقدره الله إلا وهو مشتمل على الحكمة إما عامة؛ وإما خاصة.
واعلم أن الحكمة تكون في نفس الشيء: فوقوعه على الوجه الذي حكم الله تعالى به في غاية الحكمة؛ وتكون في الغاية المقصودة منه: فأحكام الله الكونية، والشرعية كلها لغايات محمودة قد تكون معلومة لنا، وقد تكون مجهولة؛ والأمثلة على هذا كثيرة واضحة.
ولـ {الحكيم} معنًى آخر؛ وهو ذو الحكم، والسلطان التام؛ فلا معقب لحكمه؛ وحكمه تعالى نوعان: شرعي، وقدري؛ فأما الشرعي فوحيه الذي جاءت به رسله؛ ومنه قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} [المائدة: 50]، وقوله تعالى في سورة الممتحنة: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} [الممتحنة: 10]؛ وأما حكمه القدري فهو ما قضى به قدراً على عباده من شدة، ورخاء، وحزن، وسرور، وغير ذلك؛ ومنه قوله تعالى عن أحد إخوة يوسف: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين} (يوسف: 80)
والفرق بين الحكم الشرعي، والكوني: أن الشرعي لا يلزم وقوعه ممن حُكِم عليه به؛ ولهذا يكون العصاة من بني آدم، وغيرهم المخالفون لحكم الله الشرعي؛ وأما الحكم القدري فلا معارض له، ولا يخرج أحد عنه؛ بل هو نافذ في عباده على كل حال.
¥