تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو حميد الفلاسي]ــــــــ[31 - 10 - 03, 12:43 ص]ـ

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44)

الفوائد:

1. من فوائد الآية: توبيخ هؤلاء الذين يأمرون بالبر، وينسون أنفسهم؛ لأن ذلك منافٍ للعقل؛ وقد ورد الوعيد الشديد على من كان هذا دأبه؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أنه يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتابه".

و"الأقتاب" هي الأمعاء. "فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان، أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر، فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" (2)؛ فهو من أشد الناس عذاباً. والعياذ بالله ..

فإن قال قائل: بناءً على أنه مخالف للعقل، وبناءً على شدة عقوبته أنقول لمن لا يفعل ما أَمَر به، ومن لا يترك ما نهى عنه: "لا تأمر، ولا تنهَ"؟

فالجواب: نقول: لا، بل مُرْ، وافعل ما تأمر به؛ لأنه لو ترك الأمر مع تركه فِعلَه ارتكب جنايتين:

الأولى: ترك الأمر بالمعروف؛ والثانية: عدم قيامه بما أمر به؛ وكذلك لو أنه ارتكب ما ينهى عنه، ولم يَنْهَ عنه فقد ارتكب مفسدتين: الأولى: ترك النهي عن المنكر؛

والثانية: ارتكابه للمنكر. ثم نقول: أينا الذي لم يسلم من المنكر! لو قلنا: لا ينهى عن المنكر إلا من لم يأت منكراً لم يَنهَ أحد عن منكر؛ ولو قلنا: لا يأمر أحد بمعروف إلا من أتى المعروف لم يأمر أحد بمعروف؛ ولهذا نقول: مُرْ بالمعروف، وجاهد نفسك على فعله، وانْهَ عن المنكر، وجاهد نفسك على تركه.

2. ومن فوائد الآية: توبيخ العالم المخالف لما يأمر به، أو لما ينهى عنه؛ وأن العالم إذا خالف فهو أسوأ حالاً من الجاهل؛ لقوله تعالى: {وأنتم تتلون الكتاب}؛ وهذا أمر فُطر الناس عليه.

أن العالم إذا خالف صار أشد لوماً من الجاهل.؛ حتى العامة تجدهم إذا فعل العالم منكراً قالوا: كيف تفعل هذا وأنت رجل عالم؟! أو إذا ترك واجباً قالوا: كيف تترك هذا وأنت عالم؟!.

3. ومن فوائد الآية: توبيخ بني إسرائيل، وأنهم أمة جهلة حمقى ذوو غيٍّ؛ لقوله تعالى: {أفلا تعقلون}.

4. ومنها: أن من أمر بمعروف، ولم يفعله؛ أو نهى عن منكر وفعله من هذه الأمة، ففيه شبه باليهود؛ لأن هذا دأبهم. والعياذ بالله.


(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45)

الفوائد:

1. من فوائد الآية: إرشاد الله - تبارك وتعالى - عباده إلى الاستعانة بهذين الأمرين: الصبر، والصلاة.

2. ومنها: جواز الاستعانة بغير الله؛ لكن فيما يثبت أن به العون؛ فمثلاً إذا استعنت إنساناً يحمل معك المتاع إلى البيت كان جائزاً؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم "وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة (1) ". أما الاستعانة بما لا عون فيه فهي سفه في العقل، وضلال في الدين، وقد تكون شركاً: كأن يستعين بميت، أو بغائب لا يستطيع أن يعينه لبعده عنه، وعدم تمكنه من الوصول إليه.

3. ومن فوائد الآية: فضيلة الصبر، وأن به العون على مكابدة الأمور؛ قال أهل العلم: والصبر ثلاثة أنواع؛ وأخذوا هذا التقسيم من الاستقراء؛

الأول: الصبر على طاعة الله؛

والثاني: الصبر عن معصية الله؛ و

الثالث: الصبر على أقدار الله؛ فالصبر على الطاعة هو أشقها، وأفضلها؛ لأن الصبر على الطاعة يتضمن فعلاً وكفاً اختيارياً: فعل الطاعة؛ وكفّ النفس عن التهاون بها، وعدم إقامته؛ فهو إيجادي إيجابي؛ والصبر عن المعصية ليس فيه إلا كف فقط؛ لكنه أحياناً يكون شديداً على النفس؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشاب الذي دعته امرأة ذات منصب، وجمال، فقال: "إني أخاف الله" (2) في رتبة الإمام العادل من حيث إن الله يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وإن كان الإمام العادل أفضل.؛ لأن قوة الداعي في الشباب، وكون المرأة ذات منصب وجمال، وانتفاء المانع فيما إذا كان خالياً بها يوجب الوقوع في المحذور؛ لكن قال: "إني أخاف الله"؛ ربما يكون هذا الصبر أشق من كثير من الطاعات؛ لكن نحن لا نتكلم عن العوارض التي تعرض لبعض الناس؛ إنما نتكلم عن الشيء من حيث هو؛ فالصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير