وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ أي: لا يقومون من قبورهم بوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له وذلك أنه يقوم قياما منكرا.
وقال ابن عباس رضي الله عنه آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق رواه ابن أبي حاتم، قال: وروي عن عوف ابن مالك وسعيد بن جبير، والسدي، والربيع بن أنس، وقتادة، ومقاتل بن حيان نحو ذلك. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس. ا هـ.
وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده.
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه [إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين] الموجود في مجموع الفتاوى جـ 19 ص 9 إلى ص 65 ما نصه بعد كلام سبق. (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون أن الجني يدخل في بدن المصروع، كما قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي فقال يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه. وهذا مبسوط في موضعه).
وقال أيضا رحمه الله في جـ 24 من الفتاوى ص 276 - 277 ما نصه. (وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ").
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: (قلت: لأبي إن أقواما يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع، فقال: يا بني، يكذبون. هو ذا يتكلم على لسانه)، وهذا الذي قاله أمر مشهور، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان. وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك). ا هـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [زاد المعاد في هدي خير العباد] جـ 4 ص 66 إلى 69 ما نصه:
(الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح. فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه. ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع أثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها. وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه. فذكر بعض علاج الصرع. وقال: (هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج.
¥