تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل يجوز للمسلم قتل نفسه إن وقع في الأسر وخشي أن يفشي سر المسلمين لضعفه وعدم صموده أمام التعذيب، علماً أن إفشاء سر المسلمين للعدو فيه هلاك المسلمين]

والحقيقة أن هذه المسألة من المسائل المستجدة على الساحة ولربما أدرجت ضمن فقه النوازل، حيث لم أجد في الجواز ولا التحريم شيئاً من كلام أهل العلم السابقين ولكن هناك عدد من المسائل العلمية التي طرقها أهل العلم، تشبه إلى حد كبير مسألتنا هذه، وبالتالي قد نجد من أقوال أهل العلم السابقين ما يشير إلى مسألتنا من طرف خفي وهذا يجرنا إلى:

مسألة: حكم من قال بقول لم يسبقه إليه أحد من المتقدمين

وهذا لا يمنع من أن يبحث الإنسان المسألة باذلاً فيها جهده، ومستفرغاً وسعه حتى وإن لم يسبقه في الحكم الذي توصل إليه إمام يعتد به، إن كان الحكم الذي توصل إليه مبنياً على الدليل، وحسن التأصيل، وفي المقابل لا شك أن الانفراد في حكم المسألة له وحشة، ولكن الحق ووجوب إظهاره يزيل هذه الوحشة وهنا يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين) تحت مسألة: [متى يكون تحليف المدعي]: لا يوحشنك من قد أقر على نفسه هو وجميع أهل العلم أنه ليس من أولي العلم، فإذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم، طالب للدليل، محكم له، متبع للحق حيث كان وأين كان، ومع من كان، زالت الوحشة وحصلت الألفة ولو خالفك، فإنه يخالفك ويعذرك والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ويكفرك، أو يبدعك بلا حجة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة، وسيرته الذميمة فلا تغتر بكثرة هذا الضرب فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم يعدل بملء الأرض منهم أ. هـ

وفي هذا الموضع أقول: ليس لنا أن نطالب علماء السلف بتصور جميع المسائل التي قد تحدث أوتجد، سواء في عصرهم أو بعد عصرهم، لكي يضعوا لها أحكاماً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنة، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما انفرد في مسألة إسقاط شرط الطهارة في الطواف عن الحائض التي معها رفقة قد تحبسهم كما في الفتاوى ج26ص241،240،239حيث قال ما نصه: (وهذا الذي ذكرته هو مقتضى الأصول المنصوصة العامة المتناولة لهذه الصورة لفظا ومعنى ومقتضى الاعتبار والقياس على الأصول التي تشابهها والمعارض لها إنما لم يجد للعلماء المتبوعين كلاما في هذه الحادثة المعينة كما لم يجد لهم كلاما فيما إذا لم يمكنه الطواف إلا عريانا وذلك لان الصور التي لم تقع في أزمنتهم لا يجب أن تخطر بقلوبهم ليجب أن يتكلموا فيها ووقوع هذا وهذا في أزمنتهم، إما معدوم، وإما نادر جدا، وكلامهم في هذا الباب مطلق عام، وذلك يفيد العموم لو لم تختص الصورة المعينة بمعان توجب الفرق والاختصاص، وهذه الصورة قد لا يستحضرها المتكلم باللفظ العام من الأئمة لعدم وجودها في زمنهم والمقلدون لهم ذكروا ما وجدوه من كلامهم) إلى أن يقول رحمه الله: (هذا هو الذي توجه عندي في هذه المسألة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولولا ضرورة الناس واحتياجهم إليها علما، وعملا لما تجشمت الكلام حيث لم أجد فيها كلاما لغيري، فإن الاجتهاد عند الضرورة مما أمرنا الله به، فإن يكن ما قلته صوابا فهو حكم الله ورسوله والحمد لله، وإن يكن ما قلته خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان من الخطأ، وان كان المخطىء معفواً عنه والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما) أ. هـ من هنا يتبين لنا أن الحق لا يكون بكثرة السالكين له {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} وإنما الحق ألا تقول بقول ليس عليه دليل صحيح صريح، وليس من شرط أن تسبق إليه، ولكن إن وجد من سبق إلى ما ذهبت إليه كان الأحرى الاستشهاد به، ليطمئن الفؤاد لا غير وللهرب من وحشة الشذوذ، فحسب المتمخض عنه لذع ألسنة الناقدين بغير حق كما مر معنا من قول ابن القيم رحمه الله، وليعلم أن المتبع للدليل في مسألة ما وإن لم يسبق إليها من المتقدمين لا يعد ممن خالف الجماعة، لأن الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك كما سيأتي الآن.

الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير