تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المسألة التاسعة: القادر على منع غيره من الهلكة فلم يفعل، وهنا يشدد ابن حزم رحمه الله في ذلك ويجعل هذا نوعاً من القتل وعلى القادر على الإنقاذ من الهلكة إن لم يفعل القتل، أياً كان نوع هذه الهلكة، فقال:

مسألة: من استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات؟ قال علي: روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن الأشعث عن الحسن أن رجلا استسقى على باب قوم؟ فأبوا أن يسقوه , فأدركه العطش فمات , فضمنهم عمر بن الخطاب t عن ديته؟ قال أبو محمد: القول في هذا عندنا - وبالله تعالى التوفيق - هو أن الذين لم يسقوه إن كانوا يعلمون أنه لا ماء له ألبتة إلا عندهم , ولا يمكنه إدراكه أصلا حتى يموت , فهم قتلوه عمدا وعليهم القود بأن يمنعوا الماء حتى يموتوا - كثروا أو قلوا - ولا يدخل في ذلك من لم يعلم بأمره ولا من لم يمكنه أن يسقيه , فإن كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون أنه سيدرك الماء , فهم قتلة خطأ , وعليهم الكفارة , وعلى عواقلهم الدية ولا بد. برهان ذلك: قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وقال تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} , وقال تعالى {والحرمات قصاص} , وبيقين يدري كل مسلم - في العالم - أن من استقاه مسلم - وهو قادر على أن يسقيه - فتعمد أن لا يسقيه إلى أن مات عطشا فإنه قد اعتدى عليه بلا خلاف من أحد من الأمة , وإذا اعتدى فواجب - بنص القرآن - أن يعتدى على المعتدي بمثل ما اعتدى به - فصح قولنا بيقين لا إشكال فيه. وأما إذا لم يعلم بذلك فقد قتله , إذ منعه ما لا حياة له إلا به , فهو قاتل خطأ , فعليه ما على قاتل الخطأ. قال أبو محمد: وهكذا القول , في الجائع , والعاري , ولا فرق - وكل ذلك عدوان , وليس هذا كمن اتبعه سبع فلم يؤوه حتى أكله السبع , لأن السبع هو القاتل له , ولم يمت في جنايتهم , ولا مما تولد من جنايتهم , ولكن لو تركوه فأخذه السبع - وهم قادرون على إنقاذه - فهم قتلةُ عمدٍ , إذ لم يمت من شيء إلا من فعلهم - وهذا كمن أدخلوه في بيت ومنعوه حتى مات، ولا فرق وهذا كله وجه واحد - وبالله تعالى التوفيق. ويمكن أن يستأنس لهذا القول بالحديث الذي ذكره الموصلي في الاختيار ولم يعزه لأحد 4/ 175 (أيما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله) هذا بالخصوص وأما بالعموم فما ذكره ابن حزم من القرآن فيه الكفاية.

المسألة العاشرة: ما قاله ابن قدامة في المغني ج2 ص551 وقبله الإمام الخرقي الحنبلي وغيرهما من أهل العلم، في المرأة إذا ماتت وفي بطنها ولد يتحرك إن لم يوجد قوابل يخرجنه يترك ولا يمكن الرجال من إخراجه بل يترك حتى يموت ويدفن مع أمه كل ذلك رعاية لحرمة أم ميتة من أن يمس الأجنبي المسلم فرجها لإخراج جنينها الحي - أي يضحى بحياة الجنين النفس المنفوسة في سبيل حرمة أمه الميتة – فهنا جعل العلماء ستر عورة المرأة المسلمة الميتة، وعدم لمسها من قبل الرجال المسلمين، أولى من حياة الطفل، بل يضحى بحياته لأجل ذلك، والمسألة التي بين أيدينا قد تكون أخف من ذلك فقد يقول أصحابها فبمقابل مسألتكم الماضية جعلنا أعراض وأنفس المؤمنات اللاتي على قيد الحياة أولى من سلامة رجل وقع في الأسر.

أوجه الشبه بين مسألة قتل النفس خوف إفشاء الأسرار وبين مسائل أهل العلم المتقدمين

وبعد العرض الموجز لهذه المسائل أذكر باختصار شديد وجه مشابهتها لمسألتنا الآن فالشبه في المسألة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة: هو إزهاق النفس المسلمة لمصلحة أعظم وهي بقاء الأكثر من المسلمين بقتل اليسير منهم دون قصد القتل المباشر إلا في المسألة الأولى حيث يقصد منها القتل المباشر، وهذا متحقق في مسألتنا إن قلنا بجواز الانتحار جرياً على قاعدة ارتكاب أخف الضررين، وأما الشبه في المسألة السادسة، فهو التسبب المباشر المأذون فيه شرعاً في إزهاق النفس قربة لله مع جواز أن يستر العبد نفسه ويتوب بينه وبين الله وقاتل نفسه خوف إفشاء الأسرار فعل ذلك قربة لله ولكن سيأتينا هل هذا مأذون فيه شرعاً أولا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير