قلت: ذكر الدارقطني في الجزء الذي انتقاه من حديث أبي سهل زياد لفرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ((أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله، إن ابني به جنون، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلَّم صدره ودعا له،
فثع ثعة فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فسعى)) رواه أبو عبدالرحمن الدارمي في أوائل مسنده، فثع ثعة: أي (أي قاء)
وسيأتي إن شاء الله تعالى عن قريب حديث أمِّ أبان الذي رواه أبو داود وغيره، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلَّم ((اخرج عدو الله))، وهكذا حديث أسامة بن زيد وفيه: ((اخرج يا عدو الله فإني رسول الله)) صلى الله عليه وسلَّم.
وقال القاضي عبدالجبار: إذا صح ما دللنا عليه من رقة أجسامهم وأنهم كالهواء لم يمتنع دخولهم في أبداننا _ كما يدخل الريح والنفس المتردد، الذي هو الروح في أبداننا _ من التخرق والتخلخل ولا يؤدي ذلك إلى احتماع الجواهر في حيز واحد لأنها إلا تجتمع على سبيل المجاورة لا على سبيل الحلول، وإنما تدخل في أجسامنا كما يدخل الجشسم الرقيق في الظروف.
فإن قيل: إن دخول الجن في أجسامنا إلى هذه المواضع يوجب تقطيعها أو تقطيع الشياطين، لأن المواضع الضيقة لا يدخلها الجسم إلا ويتقطع الجسم الداخل فيه.
قيل له: إنما يكون ما ذكرته إذا كانت الأجسام التي تدخل في الأجسام كثيفة كالحديد والخشب، فأما إذا كانت كالهواء فالأمر بخلاف ما ذكرته، وكذلك القول في الشياطين
أنهم لا يتقطعون بدخولهم في الأجسام لأنهم إما أن يدخلوا بكليتهم فبعضهم متصل ببعض فلا يتقطعون، مثل أن تدخل الحية في جحرها كلها كلها، أو يدخل بعضها وبعضها يبقى خارج الجحر، لأن ذلك لا يوجب تقطعها.
وليس لأحد أن يقول: ما أنكرتم إذا حصل الجني في المعدة أن يكون قد أكلناه، كما إذا حصل الطعام فيها كنَّا آكلين له، وذلك لأن الأكل هو معالجة ما يوصل بالمضغ والبلع، وليس كما يحصل في المعدة نكون له آكلين، ولا يكون الماء بحصوله في المعدة مأكولا.
فإن قيل يجوز أن يدخلوا في الأحجار؟
قيل: نعم، إذا كانت مخلخلة، كما يجوز دخول الهواء فيها
فإن قيل: فيجب على ما ذكرتم دخول الشيطان وزوجته في جوف الآدمي، فينكحها، فتحبل وتلد، فيكون لهم في جوف الواحد من أولاد
قيل: قد أجاب أبو هاشم عن هذا السؤال بأنَّ ذلك لا يمتنع في الرقاق، كما لا يمتنع ذلك في الأجسام اللطاف، ألا ترى أنه ربما يحتمع في الجوف من الدود ونحوها شيء عظيم كثير، وكذلك الرقيق من الأجسام غير ممتنع هذا منه، إلاَّ أنه لا يقطع الولادة عليهم لأنهم مختارون، فربما لم يختاروا أن يتوالدوا في أجواف الإنس كما نختار نحن أن نتوالد في الأسواق والمساجد، بل نختار فعل ذلك في مواضع مخصوصة، فلا يمتنع أن تكون هذه حالهم، وإذا صح ما ذكرنا سقط هذا الاعتراض.
قال القاضي عبدالجبار بعدما قدَّم حديث الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، هذا لا يصح إلا أن تكون أجسامهم رقيقة على مقتضاه، ونظائر ذلك من الأخبار المروية في هذا الباب من أنهم يدخلون في أبدان الإنس، وهذا لا يجوز على الأجسام الكثيفة.
قال: ولشهرة الأخبار وظهورها عند العلماء قال أبو عثمان عمرو بن عبيد أنَّ المنكر لدخول الجنِّ في أبدان الإنس دهري أو يجيء منه دهري.
قال عبدالجبار: وإنما قال ذلك لأنها قد صارت في الشهرة والظهور كشهرة الأخبار في الصَّلاة والصِّيام والحج والزَّكاة، ومن أنكر هذه الأخبار التي ذكرناها كان رادا والراد
على الرسول ما لا سبيل إلى علمه إلا من جهته كافر، ومن لا يعلم أن المعجزات لا يقدر عليها إلا الله عزَّ وجلَّ وحده لم يصح له أن يعلم أن الأجسام لا يفعلها إلا الله عزَّ وجلَّ، ومن لم يعلم ذلك لم يمكنه إثبات فاعل لنفسه ولا قادر لنفسه ولا حي لنفسه، ومن لم يمكنه إثبات هذا لم يمكنه إثبات فاعل الأجسام، وغذا لم يمكنه ذلك وهي موجودة لم يمكنه أن يثبتها محدثة، وإذا لم يمكنه أن يثبتها محدثة وهي مع ذلك موجودة فلا بد من أن تكون قديمة، ومن كان هذا حاله كان دهريا أو جاء منه دهري على ما قال، وفساد قوله على ما ذكرناه من هذا الترتيب، فهذا معنى قوله دهري أو يجيء منه دهري.
وقال أبو القاسم الأنصاري: ولو كانوا كثافا يصح ذلك أيضا منهم، كما يصح دخول الطعام والشراب في الفراغ من جسمه، فيجب تصحيح ذلك وتأويله المس منه عليه.
وقال قائلون: إن معنى سلوكهم إنما هو بإلقاء الظل عليهم وذلك هو المس ومنه الصرع والفزع، وذلك أيضا مما يدفعه العقل، غير أنه ورد السمع بسلوكهم في الإنس، ووضع الشيطان رأسه على القلب. والله تعالى أعلم. اهـ
والله أعلم
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[09 - 11 - 03, 09:24 ص]ـ
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة الأسيف
ومن الذي يتكلم في حالة الممسوس؟؟؟ ولماذا نقبل تغير شكل الجني ولا نقبل التكلم على لسان الإنسي؟؟
أي شخص لديه عقل يعرف الفرق بين تغير شكل الجني وسيطرته على لسان الإنسي
¥