تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك فإن الصائم متلبس بعبادة طيلة نهاره، يجعل الشيطان أبعد ما يكون إليه فإن الصوم جنة، بخلاف العبادات الأخرى التي وقتها يسير بما يجعل الشيطان متربص بصاحبها ينتظر خلاصه منها، وهذا يكون للصائم في رمضان وفي غيره.

وكذلك فإن الصائم يمسك عن الشهوات التي بها يتقوى الشيطان على العبد فيؤذيه به أو يغويه فإذا تحصن الإنسان من عدوه الشيطان قهره وأضعفه وسلم منه، وهذا كذلك يتأتى في رمضان وفي غيره.

وكذلك فإن الصوم عبادة فيها صبر وتحمل وعزيمة قوية فإذا سمعت النفس وقوي إيمانها وعزيمتها ذل دونها الشيطان ورد كيده إلى الوسوسة فإن كيد الشيطان ضعيف وهذا يشمل صوم رمضان وغيره والله أعلم.

ثم إنه قد يشكل ما يكون لبعض الناس من مفارقة بعض المحرمات أو وسوسة أو صرع في رمضان مع أن الشياطين قد صفدت.

أما مقارفة بعض الناس لبعض المحرمات في رمضان فلا يعارض التصفيد فقد يأتي الإغواء من فسقة الجن أو الإنس مما لا يصفد، وقد يكون من غلبة الهوى والنفس الأمارة بالسوء، واعتياد المحرم.

يقول القرطبي رحمه الله: "إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباب غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية".

ويقول الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله: "ولكن الكثير الذين اعتادوا المعاصي يبقون على ما هم عليه بحكم العادة المتبعة ولو كانت الشياطين مصفدة فإن العادات تحكم، وحيث يوجد الكثير من المعاصي كالمسكرات والزنا والأغاني ونحوها في رمضان فإن الدافع لها العادات والأهواء والنفوس الشريرة وشياطين الإنس والشهوات والمغريات والفتن الكثيرة من الصور والأفلام الخليعة ونحوها فلا غرابة إذا وجدت هذه المعاصي في رمضان ولو كانت الشياطين مصفده".

انتهى كلامه حفظه الله.

وأما ما يجده بعض الناس من الوسوسة في رمضان فيقال فيه: "إن الوسواس أنواع: فمنها

وساوس مرضية ومنها وساوس نفسية، ومنها وساوس شيطانية.

فالمرضية تعتبر وساوس قهرية لا طاقة للإنسان بدفعها تماماً حتى يشفى منها.

وأما الوساوس النفسية فهي ما يحدث الإنسان به نفسه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأيضاً فالنفوس لها وسوسة، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}

وأما الوساوس الشيطانية فهي التي تكون من الشيطان سواء من كان خارج الجسد أو داخله وهي موضع الإشكال عند البعض إذ كيف يوسوس الشيطان للإنسان في رمضان وقد صفدت الشياطين.

فيقال: إن التصفيد لا يمنع منه وسوسة الشيطان فإن الشياطين قد توسوس وهي مصفدة، فقد سئل الشيخ أبو الحسن القابسي عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشياطين تصفد في رمضان».

فأجاب بأن قال: "قد يوسوس وهو مصفد".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمصفد من الشياطين قد يؤذي ولا شك أن الوسوسة من الأذى بل إن كان قد يؤذي فإبمكانه الوسوسة من باب أولى.

وأما صرع الجني للإنسي في رمضان، فإن هذا النوع من الصرع هو عندي نوعان: صرع عن قوة وصرع عن ضعف:

فالنوع الأول: وهو أن يصرع الجني الإنسي إما بنفسه وذلك إذا غلبه بفعل المحرمات وترك الطاعات وعدم المجاهدة وسرعة الغضب فإنه حينئذ يتقوى عليه ويصرعه.

وإما أن يصرعه بمعونة غيره وذلك بمساعدة من بعض شياطين الجن له من خارج جسد المصروع فيتقوى هذا الشيطان الداخل في الجسد ويصرعه وكلاهما صرع عن قوة.

وأما النوع الثاني: فإن الشيطان الداخل في الجسد إذا ضيق عليه بالرقية الشرعية أو تلاوة القرآن أو سماعه أو الدعاء أو غير ذلك فإنه يضعف وينهزم ويتأذى حتى لا تبقى له قوة فيحظر حظوراً كلياً وينصرع، فينصرع الإنسي المتلبس به تبعاً لذلك، وهذا صرع عن ضعف لأن المصروع حقيقة هو الجني وليس الإنسي، وانصراع الإنسي معه لأنه متلبس به كلياً.

ولذا فإن الصرع الذي يحصل لبعض الناس في رمضان هو من قبيل هذا النوع وهو صرع عن ضعف لا عن قوة وهذا لا يمنع التصفيد إذا المصروع حقاً هو الجني وكون الإنسي صرع تبعاً له لتلبسه بكامل جسده والله أعلم.

ويقال أيضاً: إن التصفيد لا يمنع الأذى من الشيطان كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فضعفت قوتهم وعملهم بتصفيدهم فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره ولم يقل أنهم قتلوا ولا ماتوا بل قال: صفدت والمصفد من الشياطين قد يؤذي" انتهى كلامه

ولهذا قد يكون أذى الشيطان أحياناً وهو مصفد أقوى من تحمل بعض الناس واستطاعته لشدة ضفعه فيصرعه ولا منافاة في ذلك والله أعلم.

ولكن يبقى أن الشيطان يضعف مع الصيام، ولا يستطيع أن يحصل على ما كا ن يحصل عليه في غير الصيام وخاصة في رمضان، فاستثمار هذا الضعف الذي حصل للشيطان وهذه القوة والنشاط والإيمان الذي حصل للمسلم، يساعد في التغلب على الشيطان والسلامة منه والعافية وزوال الأمراض والمشكلات النفسية والزوجية التي سببها تسلط الشيطان ومكره وكيده.

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظنا بحفظه، وأن يعيننا على أنفسنا والشيطان وأن يوفقنا لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يجب تحفيز الناس على كثرة قراءة القرآن في رمضان كأن تقام المسابقات بين الأفراد والأسر والأحياء في إتقان تلاوة وتجويد وحفظ سورة البقرة وكذلك آل عمران ودعمها من قبل المحسنين، ووضع الجوائز القيمة ليلة أو يوم العيد، لعل ذلك يطرد الفتور الذي يحصل لكثير من المسلمين بعد يومين أو ثلاثة من دخول رمضان.

إعداد محمد بن عبدالله الربيش

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير