تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمذهب الحنفيّة والحنابلة، وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة: أنّه لا يؤسر من لا ضرر منهم، ولا فائدة في أسرهم، كالشّيخ الفاني والزّمن والأعمى والرّاهب إذا كانوا ممّن لا رأي لهم. ونصّ المالكيّة على أنّ كلّ من لا يقتل يجوز أسره، إلاّ الرّاهب والرّاهبة إذا لم يكن لهما رأيٌ فإنّهما لا يؤسران، وأمّا غيرهما من المعتوه والشّيخ الفاني والزّمن والأعمى فإنّهم وإن حرم قتلهم يجز أسرهم، ويجوز تركهم من غير قتلٍ ومن غير أسرٍ.

وذهب الشّافعيّة في الأظهر إلى أنّه يجوز أسر الجميع دون استثناءٍ.

9 - ولا يجوز أسر أحدٍ من دار الكفر إذا كان بين المسلمين وبينها عهد موادعةٍ، لأنّ عقد الموادعة أفاد الأمان، وبالأمان لا تصير الدّار مستباحةً، وحتّى لو خرج قومٌ من الموادعين إلى بلدةٍ أخرى ليس بينهم وبين المسلمين موادعةٌ، فغزا المسلمون تلك البلدة، فهؤلاء آمنون، لا سبيل لأحدٍ عليهم، لأنّ عقد الموادعة أفاد الأمان لهم، فلا ينتقض بالخروج إلى موضعٍ آخر. وكذا لو دخل في دار الموادعة رجلٌ من غير دارهم بأمانٍ، ثمّ خرج إلى دار الإسلام بغير أمانٍ، فهو آمنٌ لا يجوز أسره، لأنّه لمّا دخل دار الموادعين بأمانهم صار كواحدٍ منهم. ومثله ما لو وجد الحربيّ بدار الإسلام بأمانٍ فإنّه لا يجوز أسره، وما لو أخذ الحربيّ الأمان من المسلمين وهو في حصن الحربيّين.

الأسير في يد آسره ومدى سلطانه عليه:

10 - الأسير في ذمّة آسره لا يد له عليه، ولا حقّ له في التّصرّف فيه، إذ الحقّ للتّصرّف فيه موكولٌ للإمام، وعليه بعد الأسر أن يقوده إلى الأمير ليقضي فيه بما يرى، وللآسر أن يشدّ وثاقه إن خاف انفلاته، أو لم يأمن شرّه، كما يجوز عصب عينيه أثناء نقله لمنعه من الهرب. فمن حقّ المسلم أن يمنع الأسير من الهرب، وإذا لم يجد فرصةً لمنعه إلاّ قتله فلا بأس، وقد فعل هذا غير واحدٍ من الصّحابة.

11 - وجمهور الفقهاء على أنّ الأسير إذا صار في يد الإمام فلا استحقاق للآسر فيه إلاّ بتنفيل الإمام، لا بنفس الأسر، وذلك بأن ينادي في العسكر: من أصاب منكم أسيراً فهو له، فإن قال ذلك فأعتق الرّجل أسيره فإنّه ينفذ عتقه. ولو أصاب ذا رحمٍ محرمٍ منه عتق، لأنّه إذا ثبت الاستحقاق لهم بالإصابة صار الأسير مملوكاً لآسره واحداً أو جماعةً. بل قالوا: لو قال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه. فأسر العسكر بعض الأسرى، ثمّ قتل أحد الأسراء رجلاً من العدوّ، كان السّلب من الغنيمة، إن لم يقسّم الأمير الأسراء، وإن كان قسمهم أو باعهم فالسّلب لمولى الأسير القاتل. وقد فرّق المالكيّة بين من أسر أسيراً أثناء القتال مستنداً إلى قوّة الجيش، وبين من أسر أسيراً من غير حربٍ، وقالوا: إن كان الآسر من الجيش، أو مستنداً له خمسٌ كسائر الغنيمة، وإلاّ اختصّ به الآسر.

حكم قتل الآسر أسيره:

12 - ليس لواحدٍ من الغزاة أن يقتل أسيره بنفسه، إذ الأمر فيه بعد الأسر مفوّضٌ للإمام، فلا يحلّ القتل إلاّ برأي الإمام اتّفاقاً، إلاّ إذا خيف ضرره، فحينئذٍ يجوز قتله قبل أن يؤتى به إلى الإمام، وليس لغير من أسره قتله، لحديث جابرٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتعاطى أحدكم أسير صاحبه فيقتله».

فلو قتل رجلٌ من المسلمين أسيراً في دار الحرب أو في دار الإسلام، فالحنفيّة يفرّقون بين ما إذا كان قبل القسمة أو بعدها، فإن كان قبل القسمة فلا شيء فيه من ديةٍ أو كفّارةٍ أو قيمةٍ، لأنّ دمه غير معصومٍ، إذ للإمام فيه خيرة القتل، ومع هذا فهو مكروهٌ، وإن كان بعد القسمة، أو بعد البيع فيراعى فيه حكم القتل، لأنّ دمه صار معصوماً، فكان مضموناً بالقتل، إلاّ أنّه لا يجب القصاص لقيام الشّبهة. ولم يفرّقوا في ذلك بين ما إذا كان هو الآسر أو غيره كما يفيده الإطلاق. والمالكيّة يتّجهون وجهة الحنفيّة من ناحية الضّمان، غير أنّهم جعلوا التّفرقة فيما إذا كان القتل في دار الحرب قبل أن يصير في المغنم، أو بعد أن صار مغنماً، وينصّون على أنّ من قتل من نهي عن قتله، فإن قتله في دار الحرب قبل أن يصير في المغنم فليستغفر اللّه، وإن قتله بعد أن صار مغنماً فعليه قيمته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير