تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتختصّ الرّدّة - في الاصطلاح الفقهيّ - بالكفر بعد الإسلام. وكلّ مسلمٍ ارتدّ فإنّه يقتل إن لم يتب، إلاّ المرأة عند الحنفيّة فإنّها تحبس، ولا يترك المرتدّ على ردّته بإعطاء الجزية ولا بأمانٍ، ولا يجوز استرقاقه حتّى لو أسر بعد أن لحق بدار الحرب، بخلاف المرأة فإنّها تسترقّ بعد اللّحاق بدار الحرب، على تفصيلٍ بين المذاهب موضعه مصطلح (ردّةٌ).

47 - وإذا ارتدّ جمعٌ، وتجمّعوا وانحازوا في دارٍ ينفردون بها عن المسلمين، حتّى صاروا فيها ذوي منعةٍ وجب قتالهم على الرّدّة بعد مناظرتهم على الإسلام، ويستتابون وجوباً عند الحنابلة والشّافعيّة، واستحباباً عند الحنفيّة، ويقاتلون قتال أهل الحرب، ومن أسر منهم قتل صبراً إن لم يتب، ويصرّح الشّافعيّة بأنّنا نبدؤهم بالقتال إذا امتنعوا بنحو حصنٍ.

ولا يجوز أن يسترقّ رجالهم، ولكن تغنم أموالهم، وتسبى ذراريّهم الّذين حدثوا بعد الرّدّة، لأنّها دارٌ تجري فيها أحكام أهل الحرب فكانت دار حربٍ، ولا يجوز أن يهادنوا على الموادعة، ولا يصالحوا على مالٍ يقرّون به على ردّتهم، بخلاف أهل الحرب.

وقد سبى أبو بكرٍ رضي الله عنه ذراريّ من ارتدّ من العرب من بني حنيفة وغيرهم، وسبى عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه بني ناجية. وإن أسلموا حقنت دماؤهم، ومضى فيهم حكم السّباء على الصّبيان والنّساء، فأمّا الرّجال فأحرارٌ لا يسترقّون، وليس على الرّجال من أهل الرّدّة سبيٌ ولا جزيةٌ، إنّما هو القتل أو الإسلام. وإن ترك الإمام السّباء وأطلقهم وعفا عنهم وترك لهم أرضهم وأموالهم فهو في سعةٍ.

48 - ويصرّح المالكيّة بعدم استتابة المرتدّين إن حاربوا بأرض الكفر أو بأرض الإسلام، يقول ابن رشدٍ: إذا حارب المرتدّ ثمّ ظهر عليه فإنّه يقتل بالحرابة، ولا يستتاب، كانت حرابته بدار الإسلام أو بعد أن لحق بدار الحرب إلاّ أن يسلم، فإن كانت حرابته في دار الحرب فهو عند مالكٍ كالحربيّ يسلم، لا تباعة عليه في شيءٍ ممّا فعل في حال ارتداده. وأمّا إن كان حرابته في دار الإسلام فإنّه يسقط إسلامه عنه حكم الحرابة خاصّةً. وعن ابن القاسم قال: إذا ارتدّ جماعةٌ في حصنٍ فإنّهم يقاتلون، وأموالهم فيءٌ للمسلمين، ولا تسبى ذراريّهم. وقال أصبغ: تسبى ذراريّهم وتقسم أموالهم. وهذا الّذي خالفت فيه سيرة عمر سيرة أبي بكرٍ رضي الله عنهما في الّذين ارتدّوا من العرب، فقد سبى أبو بكرٍ النّساء والصّغار، وأجرى المقاسمة في أموالهم، فلمّا ولي عمر نقض ذلك.

49 - ويتّفق فقهاء المذاهب على أنّ الأسير المرتدّ يقتل إن لم يتب ويعد إلى الإسلام، ولا فرق بين رجلٍ وامرأةٍ عند الأئمّة الثّلاثة. وروي ذلك عن أبي بكرٍ وعليٍّ، وبه قال الحسن والزّهريّ والنّخعيّ ومكحولٌ، لعموم حديث: «من بدّل دينه فاقتلوه».

50 - ويرى الحنفيّة أنّ المرأة لا تقتل، وإنّما تحبس حتّى تتوب.

أمّا لو كانت المرأة تقاتل، أو كانت ذات رأيٍ فإنّها تقتل اتّفاقاً. لكنّها عند الحنفيّة تقتل لا لردّتها، بل لأنّها تسعى بالفساد.

ويستدلّ الحنفيّة على عدم قتل المرأة المرتدّة إذا أخذت سبياً بما روي من قول الرّسول صلى الله عليه وسلم: «الحق بخالد بن الوليد، فلا يقتلنّ ذرّيّةً ولا عسيفاً»، ولا فرق بين الكفر الأصليّ والكفر الطّارئ، فإنّ الحربيّة إذا سبيت لا تقتل.

51 - ويتّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنّه لا يجوز أخذ الفداء من الأسرى المرتدّين، ولا المنّ عليهم بأمانٍ مؤقّتٍ أو أمانٍ مؤبّدٍ، ولا يترك على ردّته بإعطاء الجزية. كما يتّفقون على أنّ المرتدّ من الرّجال لا يجري فيه إلاّ: العودة إلى الإسلام أو القتل، لأنّ قتل المرتدّ على ردّته حدٌّ، ولا يترك إقامة الحدّ لمنفعة الأفراد.

52 - والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّ الرّقّ لا يجري على المرتدّة أيضاً، وإن لحقت بدار الحرب، لأنّه لا يجوز إمرار أحدٍ من المرتدّين على الكفر بالاسترقاق، بينما يرى الحنفيّة أنّ المرتدّة تسترقّ بعد اللّحاق بدار الحرب، ولا تسترقّ في دار الإسلام، كما في ظاهر الرّواية، وعن أبي حنيفة في النّوادر: أنّها تسترقّ في دار الإسلام أيضاً.

وقالوا في تعليل ذلك: إنّه لم يشرع قتلها، ولا يجوز إبقاء الكافر على الكفر إلاّ مع الجزية أو مع الرّقّ، ولا جزية على النّساء، فكان إبقاؤها على الرّقّ أنفع.

وقد استرق الصّحابة نساء من ارتدّ.

53 - وبالنّسبة لأصحاب الأعذار من الأسرى المرتدّين، فإنّهم يقتلون أيضاً. ونقل السّرخسيّ قولاً بأنّ حلول الآفة بمنزلة الأنوثة، لأنّه تخرج به بنيته (هيئته وجسمه) من أن تكون صالحةً للقتال، فعلى هذا لا يقتلون بعد الرّدّة، كما لا يقتلون في الكفر الأصليّ. وعلى قول من يرى وجوب قتل المرتدّة - إذا كانت الأسيرة المرتدّة ذات زوجٍ، وهي من ذوات الحيض - فإنّها تستبرأ بحيضةٍ قبل قتلها خشية أن تكون حاملاً، فإن ظهر بها حملٌ أخّرت حتّى تضع، فإن كانت ممّن لا تحيض استبرئت بثلاثة أشهرٍ إن كانت ممّن يتوقّع حملها، وإلاّ قتلت بعد الاستتابة.

يتبع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير