أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يتقدم إليها، ويحافظ على الصف الأول مهما استطاع، وإن كان في الزيادة القبلية؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من الحث والترغيب في الصف الأول، مثل قوله – صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" متفق عليه، ومثل قوله – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: "تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال الرجل يتأخر عن الصلاة حتى يؤخره الله" أخرجه مسلم، وأخرج أبو داود، عن عائشة – رضي الله عنها – بسند حسن، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا يزال الرجل يتأخر عن الصف المقدم حتى يؤخره الله في النار"، وثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لأصحابه: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها!؟ " قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها!؟ قال: "يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف" رواه مسلم.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تعم مسجده – صلى الله عليه وسلم – وغيره قبل الزيادة وبعدها، وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يحث أصحابه على ميامن الصفوف، ومعلوم أن يمين الصف في مسجده الأول خارج الروضة، فعلم بذلك أن العناية بالصفوف الأول وميامن الصفوف مقدمة على العناية بالروضة الشريفة، وأن المحافظة عليهما أولى من المحافظة على الصلاة في الروضة، وهذا بين واضح لمن تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب، والله الموفق.
ولا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يقبلها أو يطوف بها؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح، بل هو بدعة منكرة.
ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول – صلى الله عليه وسلم – قضاء حاجة، أو تفريج كربة، أو شفاء مريض، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله سبحانه، وطلبه من الأموات شرك بالله وعبادة لغيره، ودين الإسلام مبني على أصلين:
أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده.
والثاني: ألا يعبد إلا بما شرعه الله والرسول – صلى الله عليه وسلم -.
وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
وهكذا لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول – صلى الله عليه وسلم – الشفاعة؛ لأنها ملك الله سبحانه، فلا تطلب إلا منه، كما قال تعالى: "قل لله الشفاعة جميعاً".
فتقول: "اللهم شفع في نبيك، اللهم شفع في ملائكتك، وعبادك المؤمنين، اللهم شفع في أفراطي"، ونحو ذلك، وأما الأموات فلا يطلب منهم شيء، لا الشفاعة ولا غيرها، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء؛ لأن ذلك لم يشرع ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع.
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وإنما جاز طلب الشفاعة من النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته ويوم القيامة؛ لقدرته على ذلك، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب، أما في الدنيا فمعلوم، وليس ذلك خاصاً به، بل هو عام له ولغيره، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه: اشفع لي إلى ربي في كذا وكذا، بمعنى: أدع الله لي، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه.
وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله سبحانه، كما قال الله تعالى: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه".
وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال الإنسان قبل الموت ولا بحاله بعد البعث والنشور، لا نقطاع عمل الميت وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع، فلا يجوز إلحاقه بذلك، لا شك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، ولكنها ليست من جنس حياته قبل الموت، ولا من جنس حياته يوم القيامة، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله سبحانه، ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام: "ما من أحد يسلم علي إلا ردَّ الله علي روحي حتى أرد عليه السلام".
¥