وَمَا يَحْصُلُ عِنْدَ السَّمَاعِ وَالذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ مِنْ وَجَلِ الْقَلْبِ , وَدَمْعِ الْعَيْنِ , وَاقْشِعْرَارِ الْجُسُومِ , فَهَذَا أَفْضَلُ الْأَحْوَالِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ , وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ الشَّدِيدُ وَالْغَشْيُ وَالْمَوْتُ وَالصَّيْحَاتُ , فَهَذَا إنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ لَمْ يُلَمْ عَلَيْهِ , كَمَا قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ , فَإِنَّ مَنْشَأَهُ قُوَّةُ الْوَارِدِ عَلَى الْقَلْبِ مَعَ ضَعْفِ الْقَلْبِ , وَالْقُوَّةُ وَالتَّمَكُّنُ أَفْضَلُ كَمَا هُوَ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ. وَأَمَّا السُّكُونُ قَسْوَةٌ وَجَفَاءٌ فَهَذَا مَذْمُومٌ لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ السَّمَاعِ فَالْمَشْرُوعُ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ الْقُلُوبُ وَيَكُونُ وَسِيلَتَهَا إلَى رَبِّهَا بِصِلَةِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا هُوَ سَمَاعُ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ سَمَاعُ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ} وَقَالَ: {زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ} وَهُوَ السَّمَاعُ الْمَمْدُوحُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , لَكِنْ لَمَّا نَسِيَ بَعْضُ الْأُمَّةِ حَظًّا مِنْ هَذَا السَّمَاعِ الَّذِي ذُكِّرُوا بِهِ أُلْقِيَ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ , فَأَحْدَثَ قَوْمٌ سَمَاعَ الْقَصَائِدِ وَالتَّصْفِيقِ وَالْغِنَاءِ مُضَاهَاةً لِمَا ذَمَّهُ اللَّهُ مِنْ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ وَالْمُشَابَهَةِ لِمَا ابْتَدَعَهُ النَّصَارَى , وَقَابَلَهُمْ قَوْمٌ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ , وَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً مُضَاهَاةً لِمَا عَابَهُ اللَّهُ عَلَى الْيَهُودِ. وَالدِّينُ الْوَسَطُ هُوَ مَا عَلَيْهِ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
السبحة ليست بدعة
المسبحة أو السبحة كما تسمى هي عقد من الخرز يستعمل في عد مرات الذكر. و قد أفتى بجوازه الكثير من العلماء كالإمام إبن تيمية و الإمام الشوكاني، إن لم يكن يحملها المرء رياء الناس كما يفعل بعض الصوفية. قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (22\ 506):
«وعد التسبيح بالأصابع سنة كما قال النبى للنساء سبحن وإعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات مستنطقات وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن. وكان من الصحابة رضى الله عنهم من يفعل ذلك. وقد رأى النبى أم المؤمنين تسبح بالحصى واقرها على ذلك. وروى أن أبا هريرة كان يسبح به.
وأما التسبيح بما يجعل فى نظام من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه. وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه. وأما إتخاذه من غير حاجة أو إظهاره للناس، مثل تعليقه فى العنق أو جعله كالسوار فى اليد او نحو ذلك، فهذا إما رياء للناس أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة. الأول محرم والثاني أقل أحواله الكراهة، فإن مراءاة الناس فى العبادات المختصة كالصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن من أعظم الذنوب».
و قال أيضاً رضي الله عنه:
«و كذا حديث جويرية فى تسبيحها بالحصى أو النوى، و قد دخل عليها ضحى ثم دخل عليها عشية فوجدها على تلك الحال. و قوله لها لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لرجحت». مجموع الفتاوى (25\ 282).
و لم أعثر على سند ذلك الحديث، و لو أني مسلم لشيخ الإسلام في تصحيح الحديث. و لكني وجدت شاهداً صحيحاً لذلك الحديث في مصنف ابن أبي شيبة (6\ 60):
حدثنا عبيدة بن حميد عن هلال بن يساف قال: كانت امرأة من همدان تسبح وتحصيه بالحصى أو النوى، فمرت على عبد الله. فقيل له هذه المرأة تسبح وتحصيه بالحصى أو النوى. فدعاها فقال لها أنت التي تسبحين وتحصين؟ فقالت نعم إني لأفعل. فقال ألا أدلك على خير من ذلك؟ تقولين الله أكبر كبيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
عبيدة بن حميد ذكره الذهبي في طبقات المحدثين (1\ 67). و قد أخرج له البخاري.
هلال بن يساف كوفى ثقة تابعي. معرفة الثقات (2\ 334). قال إبن حبان: هلال بن يساف مولى أشجع أبو الحسن مات بالكوفة وقد أدرك علي بن أبى طالب. مشاهير علماء الأمصار (1\ 109). أخرج له البخاري في التعاليق و مسلم و الأربعة. و قال عنه العسقلاني: وكان ثقة كثير الحديث. تهذيب التهذيب (11\ 76).
و المسبحة قد أفتى بجوازها إبن تيمية (كما تقدم) و الشوكاني (إمام السلفية باليمن) و كثير من الأئمة الثقاة. و قد ذكر الدكتور عبد الله عزام أنه سأل إبن باز و إبن عثيمين عنها فقالا أنها ليست بدعة. و إن لم تعجبك يا أخي فهل يجوز أن تتهم من يستعمل المسبحة بأنه مبتدع؟ و هل يصبح إبن تيمية و الشوكاني مبتدعة؟ ألا يصح أن نقول أنها من الأمور الخلافية بين العلماء؟
خاتمة
فهذه الأدلة مختصرة لكن فيها غنية لمن ألقى السمع و هو شهيد. و قد تخالفني أخي المسلم في نقطة أو اثنتين لكن يستبعد ألا تنصفني و المسلمين من صحة بقية الأدلة التي ذكرتها. فإن كبرت عليك نفسك أن ترضخ للحق فلا أقل من أن تلزم الصمت و لا تنكر على المسلمين طاعة جليلة كهذه، مقتديا بالحجّاج في منع الناس من التكبير، و مدخلا السعادة في قلوب أعداء الإسلام الذين يحسدوننا على هذه النعمة العظيمة.
سبحانك ربي لا إله إلا أنت. أستغفرك و أتوب إليك. و صلى الله و سلم على نبينا المصطفى محمد.
¥