قال ثم اعلم ان التوبة اما من الكفر واما من الذنب فتوبة الكافر مقبولة قطعا وتوبة العاصي مقبولة بالوعد الصادق ومعنى القبول الخلاص من ضرر الذنوب حتى يرجع كمن لم يعمل ثم توبة العاصي اما من حق الله واما من حق غيره فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك على ما تقدم غير ان منه ما لم يكتف الشرع فيه بالترك فقط بل أضاف اليه القضاء أو الكفارة وحق غير الله يحتاج الى ايصالها لمستحقها والا لم يحصل الخلاص من ضرر ذلك الذنب لكن من لم يقدر على الايصال بعد بذله الوسع في ذلك فعفو الله مأمول فإنه يضمن التبعات ويبدل السيئات حسنات والله اعلم
قلت حكى غيره عن عبد الله بن المبارك في شروط التوبة زيادة فقال الندم والعزم على عدم العود ورد المظلمة وأداء ما ضيع من الفرائض وان يعمد الى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب وان يذيق نفسه الم الطاعة كما اذاقها لذة المعصية
قلت وبعض هذه الأشياء مكملات
وقد تمسك من فسر التوبة بالندم بما أخرجه أحمد وابن ماجة وغيرهما من حديث بن مسعود رفعه الندم توبة ولا حجة فيه
لان المعنى الحض عليه وانه الركن الأعظم في التوبة لا انه التوبة نفسها
وما يؤيد اشتراط كونها لله تعالى وجود الندم على الفعل ولا يستلزم الاقلاع عن أصل تلك المعصية من قتل ولده مثلا وندم لكونه ولده وكمن بذل مالا في معصية ثم ندم على نقص ذلك المال مما عنده
واحتج من شرط في صحة التوبة من حقوق العباد ان يرد تلك المظلمة بأن من غصب امة فزنى بها لا تصح توبته الا بردها لمالكها وان من قتل نفسا عمدا لا تصح توبته الا بتمكين نفسه من ولى الدم ليقتص أو يعفو قلت وهذا من جهة التوبة من الغصب ومن حق المقتول واضح ولكن يمكن ان تصح التوبة من العود الى الزنا وان استمرت الأمة في يده ومن العود الى القتل وان لم يمكن من نفسه وزاد بعض من أدركناه في شروط التوبة أمورا أخرى منها ان يفارق موضع المعصية وان لا يصل في آخر عمره الى الغرغرة وان لا تطلع الشمس من مغربها وان لا يعود الى ذلك الذنب فان عاد اليه بان ان توبته باطلة
قلت والأول مستحب والثاني والثالث داخلان في حد التكليف والرابع الأخير عزى للقاضي أبي بكر الباقلاني ويرده الحديث الآتي بعد عشرين بابا وقد أشرت اليه في باب فضل الاستغفار
وقد قال الحليمي في تفسير التواب في الأسماء الحسنى انه العائد على عبده بفضل رحمته كلما رجع لطاعته وندم على معصيته فلا يحبط عنه ما قدمه من خير ولا يحرمه ما وعد به الطائع من الإحسان
وقال الخطابي التواب الذي يعود الى القبول كلما عاد العبد الى الذنب وتاب
قوله وقال قتادة توبة نصوحا الصادقة الناصحة وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة مثله وقيل سميت ناصحة لان العبد ينصح نفسه فيها فذكرت بلفظ المبالغة وقرأ عاصم نصوحا بضم النون أي ذات نصح وقال الراغب النصح تجري قول أو فعل فيه صلاح تقول نصحت لك الود أي اخلصته ونصحت الجلد أي خطته والناصح الخياط والنصاح الخيط فيحتمل ان يكون قوله توبة نصوحا مأخوذا من الإخلاص أو من الاحكام
وحكى القرطبي المفسر انه اجتمع له من أقوال العلماء في تفسير التوبة النصوح ثلاثة وعشرون قولا
الأول قول عمر ان يذنب الذنب ثم لا يرجع وفي لفظ ثم لا يعود فيه أخرجه الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود مثله وأخرجه أحمد مرفوعا واخرج بن أبي حاتم من طريق زر بن حبيش عن أبي بن كعب انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان يندم إذا اذنب فيستغفر ثم لا يعود اليه وسنده ضعيف جدا الثاني ان يبغض الذنب ويتسغفر منه كلما ذكره أخرجه بن أبي حاتم عن الحسن البصري الثالث قول قتادة المذكور قبل الرابع ان يخلص فيها الخامس ان يصير من عدم قبولها على وجل السادس ان لا يحتاج معها الى توبة أخرى السابع ان يشتمل على خوف ورجاء ويدمن الطاعة الثامن مثله وزاد وان يهاجر من اعانه عليه التاسع ان يكون ذنبه بين عينيه العاشر ان يكون وجها بلاقفا كما كان في المعصية قفا بلا وجه ثم سرد بقية الأقوال من كلام الصوفية بعبارات مختلفة ومعان مجتمعة ترجع الى ما تقدم وجميع ذلك من المكملات لا من شرائط الصحة والله اعلم
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[09 - 12 - 03, 07:58 م]ـ
وجوابا على سؤال الأخ إسلام بن منصور حفظه الله في قوله
¥