تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجزّار الثالث ..

ـ[عبدالمحسن المطوع]ــــــــ[02 - 12 - 03, 04:29 م]ـ

الجزّار الثالث

من شعراء العصر المملوكي البارزين، أبو الحسين الجزّار، المُتوفّى 679 هـ، كان جزّاراً بفسطاط مصر، ورث الجزارة عن ابيه، واشتغل بها الى ان عُرِف بالشعر، و تقدّم به الى السّلاطين والملوك، فنال جوائزهم وعاش في رحابهم، وكان ظريفاً، صاحب طرائف في شعره وفي سلوكه، يقول عنه ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 5/ 364 "شاع شعره في البلاد وتناقلته ا لرواة".

وفي منتصف الخمسينات قدّم الاستاذ الاذاعيُّ طاهر ابو زيد في برنامجه الشهير "جرب حظك" جزّاراً مثقّفاً يقرأ الأدب، ويسمع الموسيقى الكلاسيك، وكان اسمه على ما اذكر عزت ابو نقاية فهذا هو الجزّار المثقّف الثاني.

امّا الجزّار المثقّف الثالث، فقد التقيت به في الشهر الماضي، بمقهى من مقاهي حيّ "جليم" بالاسكندرية.

ففي ضحى يومٍ، كنت اجلس بهذا المقهى، اذ دخل رجلٌ ربعةٌ، موفورُ الجسم، يلبس خواتم ذهبيةً ضخمةً، وتتدلى من رقبته سلسلة ذهبية تلمع من ثنايا قميص مُلوَّن، ثم جلس وطلب شيشة اعتنى باعداداها عامل المقهى عناية ظاهرة، .. فقلت: آه، هذا معلم كبير ولا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، لكن شدّني اليه مجموعةٌ من الكتب والمجلاّت وضعها بجانبه، لمحت منها مجلة عالم الفكر، ومجلة العربي، ثم كتاب الدكتور نصر حامد ابو زيد .. فاستأذنته في رؤية كتاب الدكتور نصر فقال لي: مالك ولهذا الكتاب؟ .. فاجبته بسؤال: وهل قرأته أنت؟ .. فقال: نعم فقلت: وما رأيك فيه؟ .. فاجاب بكلامٍ عالٍ جدًّا، أمسك عن ذكره الان هنا، حتى لا ازيد النار اشتعالاً، ثم سألته: هل قرأت كتاب ابن بلدك (الاستاذ محمود رؤوف ابو سعده) عن إعجاز العَلَم الاعجمي في القرآن الذي نشرته دار الهلال؟ .. قال: نعم، ولكن لي عليه ملاحظات، وذكر منها اشياء جيّدة، فاغراني ذلك كلّه بمد حبال المحاورة معه،حتى جاء ذكر الجاحظ فقال: الجاحظ عظيم .. لكنه غطّى بشهرته على ادباء كبار .. قلت مثل من؟ .. قال: ابو حيان التوحيدي .. قلت: هل تقرأ لابي فهر محمود محمد شاكر؟ .. قال: نعم واعظم اعماله رسالة في الطريق الى ثقافتنا، اما اباطيل واسمار فهو جيّد لكن فيه تكرار كثير،

وامتد الكلام الى ادباء الحداثة .. فقال: انهم لا ينتجون ادباً جيّدًا لانّهم لا يقرأون .. قلت: لعلّ عذرهم ضيق الوقت وكثرة الصوارف؟ .. قال: لا، لو رأيتهم في قصور الثقافة وهم ينفقون وقتاً طويلاً في الثرثرة وفيما لا طائل تحته لاخذك العجب .. ثم ناقشنا قضايا كثيرة كشفت عن اطّلاعه الواسع .. قلت: ما اسمك؟ .. قال: صلاح المصري، واعمل بالجزارة التي ورثتها عن ابي، وقبل ان اودّعه قال: على فكرة انا خرّيج دار العلوم سنة 1970 دفعة الدكتور الشاعر عبد اللطيف عبد الحليم قلت: ومع هذا تبقى صورتك العظيمة عندي انك جزّار مثقّف، اما تخرّجك في دار العلوم فلن يغني عنك شيئا، لقد عرفت من ابناء دار العلوم المحقّق والعالم والاديب والشاعر لكني عرفت منهم ايضا من يكتب صورة "البقرة "وصورة "ال عمران " بالصاد لا بالسين فهذا كما قال ربنا عز وجل: تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل".

وبعد: فهل بقي من الجزّارين المثقّفين احد؟

الله اعلم ولعلنا نظفر بالمزيد منهم حتى يصبح لدينا "سلخانة" من المفكرين و"مذبح" من النقّاد ..

مقال للعلّامة الدكتور محمود الطّناحي - رحمه الله -.

راجع: مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطّناحيّ، صفحات في التراث والتراجم واللّغة والأدب، القسم الثاني ص 691.

ـ[عبدالمحسن المطوع]ــــــــ[03 - 06 - 08, 05:18 ص]ـ

أرفعها بعد مرور خمس سنوات ونصف على كتابتها ..

فياللعجب .. كأنها أيام مرت مر السحاب!

فاللهم غفرا وصفحا وعفوا ..

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير