((يا معشر النساء! أما لكن في الفضة ما تحلين به؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهباً تظهره إلا عذبت به)).
والجواب من وجهين:
الأول: رد الحديث من أصله لعدم ثبوته، فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم (10/ 83)؛ ولذلك ضعفته في ((المشكاة)) (4403).
ثانياً: لو كانت العلة هي الإظهار؛ لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة، مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما، ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع ظهوره، فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار. ولهذا قال أبو الحسن السندي:
(((تظهره)؛ يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به، لكن الفضة مثل الذهب في ذلك، فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ، والكلام لإفادة حرمة الذهب (يعني: المحلق) على ا لنساء، مع قطع النظر عن الإظهار والافتخار)).
[188]
وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث، وإلا فقد عرفت ضعفه، فسقط الاستدلال به أصلاً.
رد الأحاديث بفعل عائشة، والجواب عنه
6 - ومن أعجب ما رُدّت به هذه الأحاديث الصحيحة؛ قول بعض متعصبة الحنفية:
((إن عائشة رضي الله عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب، كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد وحدث بذلك، وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه)).
وأقول: إطلاق عزو هذا الأثر للبخاري فيه نظر، لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقاً معناه أنه في ((صحيحه)) مسند، وليس كذلك أمر هذا الأثر، فإنه إنما ذكره معلقاً بدون إسناد! وذكر الحافظ في ((الفتح)) (10/ 271) أنه وصله ابن سعد في ((الطبقات)). وسكت عن سنده، وهو عندي حسن، فقال ابن سعد (8/ 48): أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي
[189]
عمرو قال: سألت القاسم بن محمد قلت: إن ناساً يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين: المعصفر والذهب، فقال: كذبوا والله، لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات، وتلبس خواتم الذهب.
لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ: كانت تلبس الأحمرين: المذهب والمعصفر)). أخرجه ابن سعد أيضاً: وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن ابي أويس عن سلميان بن بلال عن عمرو به، وهذا الإسناد أصح، لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز. فإن ثبت ذكر الخاتم في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي، وإلا فلا حجة فيه مطلقاً، لأن الرواية الأخرى- وهي الأصح- لا ذكر للخاتم فيها، فهو على هذا مثل حديثها الآخر من طريق القاسم أيضاً أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه. رواه أحمد في مسائل عبد الله (ص145)، وسنده صحيح، فهذا محمول على الذهب
[190]
المقطع، وهو جائز لهن اتفاقاً.
ثم قال ذاك المذكور:
(لا يتصور أن تلبس عائشة رضي الله عنها الذهب الملحق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها، ثم لا ينهاها عنه)).
قلت: هذه مغالطة ظاهرة_ولعلها غير مقصودة- إذ ليس في الأثر المتقدم أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه وسلم، بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه، فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لأن القاسم لم يدركه صلى الله عليه وسلم.
ثم قال عطفاً على ما سبق:
((أوَ ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبلغهما؟! فهذا مستحيل قطعاً)).
قلت: لا استحالة في ذلك إلا نظراً، وهذا ليس يهمنا، لأن الواقع خلافه، فكم من سنن فعلية، وأقوال نبوية؛ خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم، ولولا صحة السند بذلك عنهم، لقلنا كما قال المؤمأ إليه
[191]
هاهنا، ولا يتحمل هذا التعليق الإكثار من أمثلة ذلك، فلنقتصر على مثالين منها:
1 - أن عائشة ترى أن الأقراء إنما هي الأطهار، كما قال أحمد في ((المسائل) (185)، وروى مالك في ((الموطأ)) (2/ 96) بسند صحيح جداً عنها أنها قالت:
((تدرون ما الأقراء؟ إنما الأقراء الأطهار)).
ونحوه في مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله (ص231).
أقول: وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض، وبه قال الحنفية، والرجل منهم، فهل يرد حضرته مذهبه، ولا سيما أنه موافق للسنة من أجل قول عائشة هذا؟ أم يجعل قولها دليلاً على نسخ ذلك كما فعل في مسألتنا هذه؟!
¥