2 - قالت عائشة رضي الله عنها: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله! قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار.
[192]
أخرجه أبو داود (1/ 244) وغيره، وإسناده على شرط الصحيح كما قال الحافظ في ((التخليص)) (6/ 19)، ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن عمرو بن عطاء؛ ثقة محتج به في ((الصحيحين)) كما في ((الترغيب))، وظنه ابن الجوزي في ((التحقيق)) (1/ 198/1) رجلاً آخر فجهله، وضعف الحديث من أجل ذلك، فلا يلتفت إليه.
فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي، وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه، ومنهم الحنفية.
ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث، وهو ما أخرجه مالك (1/ 245) عن القاسم ابن محمد (راوي حديث الخاتم!) أن عائشة كانت تل بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. سنده صحيح جداً، وتقدم نحوه من رواية أحمد.
[193]
فهذه مخافة صريحة عن عائشة رضي الله عنها لحديثها فإذا جاز في حقها ذلك، فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها، لم تروه هي، وهي على كل حال مأجورة، فماذا يقول المشار إليه في هذه المخالفة؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها، أم يتمسك بالحديث ويدع قولهاً معتذراً عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب؟
وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما ((لا يتصور)) أو أنه ((مستحيل قطعاً))؛ قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة، ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، مهما كان شأن قائله فضلاً وعلماً وصلاحاً؛ لانتفاء العصمة، وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك بالكتاب والسنة، وعدم الاعتداد بما سواهما،
[194]
كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها، وبكل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها، وجوابه
6 - هذا، ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث؛ بعذر أنه لا يعلم أحداً من السلف قال بها، فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكون مقبولاً في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب، لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ، ولا سيما إذا كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أموراً لم يقل بها أحد من المسلمين؛ بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها، دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولاً، مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه بـ (الربا الاستهلاكي) واليانصيب الخيري –زعموا- ونحوهما! أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل، فإن فيها نصوصاً صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها- كما سبق بيانه- فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور، ولا سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل
[196]
أبي هريرة رضي الله عنه، وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم، ولا بدأن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم؛ لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنصّ ما من كتاب أو سنة، وإنما تعهد بحفظها فقط كما قال: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?، فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم، ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه.
وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى؛ لها مساس كبير بما نحن فيه، قال: في ((إعلام الموقعين)) (3/ 464 - 465):
((وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائناً من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم، والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس، أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله تعالى: ?وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم?، وبقوله تعالى: ?فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليماً?، وبقوله
¥