وفي نظري أن هذا الساتر لا مانع منه لأنه تتحقق به المصالح، ولا مفسدة فيه.
القسم الثاني: أن يكون حاجزاً متصلا بالصفوف ويكون مؤقتاً، ولكن لا يمكن للنساء أن ترى الرجال ويكون في العادة من قماش (رواق) أو يكون بابا من (ألمنيوم) يفتح ويغلق بحسب الحاجة.
وهذا القسم في نظري أنه يمكن أن يتسامح فيه، ولكن فيه عدة إشكالات تحتاج إلى تأمل:
الأول: أن اشتراط رؤية المأموم للإمام أو آخر المأمومين قال به جمع من العلماء، فليراع هذا الخلاف، ولتبحث المسألة جيداً لينظر الراجح في المسألة، مع أن الراجح في نظري الاكتفاء بالسماع لمن كان داخل المسجد، ولكن يبقى أن الأفضل هو الاتصال، والرؤية، فلماذا نضيع هذه الفضيلة.
الثاني: عند انقطاع الصوت وكثيرا ما تقع هذه المشكلة، تقع النساء في حيص بيص، فلا يعرفن ما الذي يفعلنه، ويغلب على النساء الجهل بهذه الأحكام لأنهن لسن من أهل الجماعة.
الثالث: أن تعلمَ أحكام الصلاة من خلال رؤية المأمومين للإمام، أو رؤيتهم للمأمومين الذين يرون الإمام مقصدٌ شرعي، وهو من حكم مشروعية صلاة الجماعة، وهذا المقصد تحرم منه النساء بسبب هذا الحاجز، بل إني في أحيان أسأل من قبل بعض النساء عن أحكام لم أكن أتوقع أن أحدا من المسلمين يجهلها، بل حال بعض تلك النسوة يتوقع منه أن تعلم بعض الدقائق فضلا عن بعض هذه المسائل، بعضهن على سبيل المثال، تقول: إذا فاتتني ركعة، ثم سلم الإمام، ما الذي أعلمه؟! ويحكى عن النساء في هذا عجائب.
القسم الثالث: أن يكون المصلى مبنيا بناء دائماً، وهذا لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون متصلاً بالصفوف فهذا أخف، وفي أحوال كثيرة يكون حكمه حكم القسم الثاني، ولكن يضاف عليه إشكالان، الأول: وهو أنه يقتطع جزءا من المسجد قد يحتاج إليه، مع كون هذا الجزء بعيدا عن أعين المصلين، مما يترتب عليه من المفاسد ما يعلمه الأئمة، ولسنا بحاجة إلى ذكره.
وأما الثاني: فإن فيه إضاعة مال نحن في غنى عن هذا المصلى، وبعض تلك المصليات يمكن أن يبنى بأموالها مسجد في بعض الدول الأفريقية.
وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى أنهم إذا صلوا وبينهم وبين الصفوف حائط من غير حاجة بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير فإن صلاتهم غير صحيحة في أظهر قولي العلماء (ولكن لا يمكن تطبيق هذا القول تماما على هذه المسألة، وقد أفتى الشيخ ابن سعدي أن المرأة إذا كانت تسمع الصوت أو ترى المأمومين جاز لها الصلاة ولو خارج المسجد)
أما الحال الثانية: فهي أن يكون المصلى مبنيا في طرف المسجد، وغالباً ما يكون في رحبة المسجد، وهذا النوع من المصليات كثر للأسف في مدينة الرياض (المدينة التي أسكنها)، وهذا النوع فيه إضافة على الإشكالات السابقة، إشكالات أخرى:
الأول: أن اتصال الصفوف في مثل هذه الحالة مشكوك فيه، وهل الرحبة من المسجد أو لا؟ وهل وجود ممر بين هذا المصلى وبين المأمومين يحصل معه الاقتداء، و .. و .. ، هذه المسائل فيها خلاف بين العلماء، ليس هذا مكان تحريره، ..
وهناك إشكالات كثيرة تتعلق بمسألة اقتداء النسوة بالإمام، مما يجعل القلب لا يطمئن لمسألة صحة الاقتداء في مثل هذه الحالة، مع القطع بأن الأفضل خلاف ذلك.
الثاني: وهذا لا أقوله من خيال، إنه وجد بعض حالات الاعتداء على النساء في هذه المصليات، فتدخل المرأة المسكينة وتكون وحيدة في المصلى فيتبعها رجل ويغلق الباب عليها، وتصرخ ولا مجيب، ومن يسمعها وهي في هذا المبنى المستقل؟، ومن الغرائب أن بعض الأئمة كلف عامل المسجد بمراقبة هذا المصلى لكي لا تقع مثل هذه الحوادث، وكأن عمال المساجد مجبوبين، (وما كان أغنانا عن الحالين).
الثالث: الكلفة المادية العالية لهذه المصليات، وهي أعلى بكثير من الحال الأولى، بالإضافة إلى كلفة تشغيلها وصيانتها، وأموال المسلمين لا يجوز أضاعتها لدرء مفسدة مظنونة يمكن درؤها بأيسر من ذلك، ولو صرفت تلك الأموال في بناء مساجد أخر، أو جعل تلك المصليات وقفا على المسجد، أو بنائها لتكون دارا نسائية لتحفيظ القرآن، لكان ذلك أنفع للمسلمين.
وأما القسم الرابع: فهي المصليات النسائية العلوية، وهي بالإضافة إلى ما سبق ذكره، تتضمن إشكالاً آخر، وهو العلو على الإمام من غير حاجة إلى ذلك.
مع كونها فيها مشقة على كبيرات السن، إذ الصعود بالنسبة لهن شاق، ولهذا اضطر بعض الأئمة إلى وضع مصلى سفلي ومصلى علوي للنساء، وهذه من عجائب الحكمة.
وباختصار فإني أرى أن الحاجز إذا كان من القسم الأول فلا بأس به، بل هو أمر محمود، وأما القسم الثاني فالأقرب جوازه، مع أني أرى أن الأفضل خلافه، أما القسم الأخير فإني أرى وأتمنى أن تمنع هذه المصليات.
وأما مسألة المصالح المرسلة، والاستحسان فإني أفضل فتح موضوع مستقل لها.
علماً أن هناك فتوى للجنة الدائمة في السعودية في هذه المسألة برقم (995) وأخرى برقم (4913) (7/ 340) حبذا أن تنقل،،
¥