وثبت عنه في الصحيح أنه توضأ من إناء فأدخل يده فيه ثم تمضض واستنشق وكذلك كان في غسله يدخل يده في الإناء ويتناول الماء منه والموسوس لا يجوز ذلك ولعله أن يحكم بنجاسة الماء ويسلبه طهوريته بذلك
وبالجملة فلا تطاوعه نفسه لاتباع رسول الله وأن يأتي بمثل ما أتى به أبدا وكيف يطاوع الموسوس نفسه أن يغتسل هو وامرأته من إناء واحد قدر الفرق قريبا من خمسة أرطال بالدمشقي يغمسان أيديهما فيه ويفرغان عليهما
فالمسوس يشمئز من ذلك كما يشمئز إذا ذكر الله وحده!!
قال أصحاب الوسواس إنما حملنا على ذلك الاحتياط لديننا والعمل بقوله دع ما يريبك إلى مالا يريبك وقوله من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه وقوله الإثم ما حاك في الصدر
وقال بعض السلف الإثم حور القلوب وقد وجد النبي تمرة فقال لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها أفلا يرى أنه ترك أكلها احتياطا
وقد أفتى مالك رحمه الله فيمن طلق امرأته وشك هل هي واحدة أم ثلاث بأنها ثلاث احتياطا للفروج
وأفتى من حلف بالطلاق أن في هذه اللوزة حبتين وهو لا يعلم ذلك فبان الأمر كما حلف عليه أنه حانث لأنه حلف على ما لا يعلم
وقال فيمن طلق واحدة من نسائه ثم أنسيها يطلق عليه جميع نسائه احتياطا وقطعا للشك
وقال أصحاب مالك فيمن حلف بيمين ثم نسيها إنه يلزمه جميع ما يحلف به عادة فيلزمه الطلاق والعتاق والصدقة بثلث المال وكفارة الظهار وكفارة اليمين بالله تعالى والحج ماشيا ويقع الطلاق في جميع نسائه ويعتق عليه جميع عبيده وإمائه وهذا أحد القولين عندهم ومذهب مالك أيضا أنه إذا حلف ليفعلن كذا أنه على حنث حتى يفعله فيحال بينه وبين امرأته ومذهبه أيضا أنه إذا قال إذا جاء رأس الحول فأنت طالق ثلاثا أنها تطلق في الحال وهذا كله احتياط
وقال الفقهاء من خفي عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه غسله كله وقالوا إذا كان معه ثياب طاهرة وتنجس منها ثياب وشك فيها صلى في ثوب بعد ثوب بعدد النجس وزاد صلاة لتيقن براءة ذمته وقالوا إذا اشتبهت الأواني الطاهرة بالنجسة أراق الجميع وتيمم وكذلك إذا اشتبهت عليه القبلة فلا يدرى في أي جهة فإنه يصلي أربع صلوات عند بعض الأئمة لتبرأ ذمته بيقين
وقالوا من ترك صلاة من يوم ثم نسيها وجب عليه أن يصلي خمس صلوات وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام من شك في صلاته أن يبني على اليقين
وحرم أكل الصيد إذا شك صاحبه هل مات بسهمه أو بغيره كما إذا وقع في الماء وحرم أكله إذا خالط كلبه كلبا آخر للشك في تسمية صاحبه عليه
وهذا باب يطول تتبعه فالاحتياط والأخذ باليقين غير مستنكر في الشرع وإن سميتموه وسواسا وقد كان عبدالله بن عمر يغسل داخل عينيه في الطهارة حتى عمي وكان أبو هريرة إذا توضأ أشرع في العضد وإذا غسل رجليه أشرع في الساقين فنحن إذا احتطنا لأنفسنا وأخذنا باليقين وتركنا ما يريب إلى ما لا يريب وتركنا المشكوك فيه للمتيقن المعلوم وتجنبنا محل الاشتباه لم نكن بذلك عن الشريعة خارجين ولافي البدعة والجين وهل هذا إلا خير من التسهيل والاسترسال حتى لا يبالي العبد بدينه ولا يحتاط له بل يسهل الأشياء ويمشي حالها ولا يبالي كيف توضأ ولا بأي ماء توضأ ولا بأي مكان صلى ولا يبالي ما أصاب ذيله وثوبه ولا يسأل عما عهد بل يتغافل ويحسن ظنه فهو مهمل لدينه لا يبالي ما شك فيه ويحمل الأمور على الطهارة وربما كانت أفحش النجاسة ويدخل بالشك ويخرج بالشك فأين هذا ممن استقصى في فعل ما أمر به واجتهد فيه حتى لا يخل بشيء منه وإن زاد على المأمور فإنما قصده بالزيادة تكميل المأمور وأن لا ينقص منه شيئا؟!!
قالوا وجماع ما ينكرونه علينا احتياط في فعل مأمور أو احتياط في اجتناب محظور وذلك خير وأحسن عاقبة من التهاون بهذين فإنه يفضي غالبا إلى النقص من الواجب والدخول في المحرم وإذا وازنا بين هذه المفسدة ومفسدة الوسواس كانت مفسدة الوسواس أخف هذا إن ساعدناكم على تسميته وسواسا وإنما نسميه احتياطا واستظهارا فلستم بأسعد منا بالسنة ونحن حولها ندندن وتكميلها نريد!!
وقال أهل الاقتصاد والاتباع
¥