لكن لما انتسب إلى الإسلام من لم يحققه التحقيق الصحيح من أهل البدع ظهرت هذه المسميات، للتفرقة بين أهل التحقيق الصحيح للإسلام وهم أهل السنة وبين من انحرف عنه.
ومن تأمل هذه الأسماء (أسماء أهل السنة) ظهر له أنها كلها تدل على الإسلام فبعضها ثابت لهم بالنص من الرسول صلى الله عليه وسلم، والبعض الآخر إنما حصل لهم بفضل تحقيقهم للإسلام تحقيقاً صحيحاً. وهي تخالف تماماً مسميات أهل البدع وألقابهم فأسماء أهل البدع وألقابهم: إما ترجع إلى الانتساب لأشخاص، وإما إلى ألقاب مشتقة من أصل بدعهم، وإما أن هذه الألقاب ترجع إلى سبب خروج من تسمى بها عن عقيدة المسلمين، وجماعتهم.
فأين هذه الأسماء والألقاب من أسماء أهل السنة المستمدة من الإسلام؟
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد بعد ذكره ألقاب أهل السنة: وهذه الألقاب الشريفة تخالف أي لقب كان لأي فرقة كانت من وجوه:
الأول: أنها نسب لم تنفصل ولا لحظة واحدة عن الأمة الإسلامية منذ تكوينها على منهاج النبوة فهي تحوي جميع المسلمين على طريقة الرعيل الأول، ومن يقتدي بهم في تلقي العلم وطريقة فهمه، وبطبيعة الدعوة إليه.
الثاني: أنها تحوي كل الإسلام (الكتاب والسنة) فهي لا تختص برسم يخالف الكتاب والسنة زيادة أو نقصاً.
الثالث: أنها ألقاب منها ما هو ثابت بالسنة الصحيحة، ومنها ما لم يبرز إلا في مواجهة مناهج أهل الأهواء والفرق الضالة، لرد بدعتهم والتميز عنهم.
الرابع: أن عقد الولاء والبراء، والموالاة والمعادة لديهم هو على الإسلام لا غير لا على رسم باسم معين ولا على رسم محدد، إنما هو (الكتاب والسنة) فحسب.
الخامس: أن هذه الألقاب لم تكن داعية لهم للتعصب لشخص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السادس: أن هذه الألقاب لا تفضي إلى بدعة ولا معصية، ولا عصبية لشخص معين ولا لطائفة معينة، فإذا قيل: (أهل السنة والجماعة) انتظم هذا اللقب هذه الخواص، وهذا لا يكون لأحد من أهل الفرق بأسمائهم ورسومهم التي انشقوا بها عن جماعة المسلمين وهكذا بقية ألقاب أهل السنة (4).
وبعد أن ظهرت مغايرة أسماء أهل السنة وألقابهم لكل مسميات وألقاب أهل البدع نشرع في عرض أسماء أهل السنة، عرضاً موجزاً، لبيان معنى كل اسم، والأدلة على شرعيته، وانتمائه إلى الإسلام.
1 - أهل السنة والجماعة:
وهذا الاسم يتألف من شقين: أ- أهل السنة. ب- الجماعة.
أولاً: أهل السنة:
والمقصود من إطلاق السنة هنا: معناها الاصطلاحي، وهو شمولها للإسلام كاملاً، فليس بدعاً من القول إذاً أن يطلق على من حقق الإسلام كاملاً كما جاء عن الله ورسوله: (أهل السنة) لمطابقة السنة للإسلام.
ومن تأمل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، في الأمر باتباع سنته، عرف مطابقة السنة للإسلام وشمولها له، وأدرك مطابقة تسمية أهل التحقيق الصحيح للإسلام، بـ (أهل السنة) جاء في حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " .... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلال " (5).
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في مقابل الاعتصام بسنته وسنة خلفائه، إحداث البدع. فدل على أن كل ما خرج عن سنته وسنة خلفائه بدعة، ولو كان هناك شيء من الدين لم تشمله سنته وسنة خلفائه، لما سمى الرسول صلى الله عليه وسلم الخروج عنها بدعة، فدل على شمول سنته وسنة خلفائه للإسلام كاملاً.
وبهذا يعلم مناسبة تسمية أهل السنة بهذا الاسم، وذلك لتحقيقهم الإسلام تحقيقاً كاملاً صحيحاً. ويظهر بذلك شرعية تسميتهم (بأهل السنة) وأن هذه التسمية منبثقة من تسميهم بالمسلمين، بل هي مرادفة لتسميهم بالمسلمين، كما دلت على ذلك النصوص. والله تعالى أعلم.
ثانياً: الجماعة:
¥