تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[قصة باطلة يجب أن تمحى]

ـ[ابو سفيان اليونسى]ــــــــ[19 - 12 - 03, 02:28 ص]ـ

إن القصص المكذوبة في تاريخ أمتنا لكثيرة كثيرة، خاصة تاريخ صدر الإسلام، و بالأخص عصر الخلافة الراشدة، و اليوم مع قصة مكذوبة، منتشرة في كثير من الكتب، حتى في المقررات كالتالي:-

روى أبو نعيم – رحمه الله – في الحلية (4/ 139)، هذه القصة بسندين أحدهما: أن علياً رضي الله عنه وجد درعاً له عند يهودي التقطها، فعرفها – أي علي – فقال: درعي سقطت عن جمل لي أورق، فقال اليهودي درعي و في يدي، ثم قال له اليهودي: بيني و بينك قاضي المسلمين، فأتوا شريحاً، فلما رأى علياً قد أقبل تحرف عن موضعه، وجلس علي فيه ثم قال علي: لو كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس، و لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تساووهم في المجلس، و ألجئوهم إلى أضيق الطرق، فإن سبوكم فاضربوهم، و إن ضربوكم فاقتلوهم. ثم قال شريح: ما تشاء يا أمير المؤمنين؟ قال: درعي سقطت عن جمل لي أورق والتقطها هذا اليهودي، فقال شريح: ما تقول يا يهودي؟ قال: درعي و في يدي، فقال شريح: صدقت، و الله يا أمير المؤمنين، إنها لدرعك، و لكن لا بد من شاهدين فدعا قنبراً مولاه والحسن بن علي، و شهدا أنها لدرعه، فقال شريح:أما شهادة مولاك فقد أجزناها، و أما شهادة ابنك لك فلا نجيزها، فقال علي: ثكلتك أمك، أما سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال: اللهم نعم، قال: أفلا تجيز شهادة سيد شباب أهل الجنة؟ والله لأوجهنك إلى بانفيا – ناحية من الكوفة – تقضي بين أهلها أربعين يوماً، ثم قال لليهودي: خذ الدرع، فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين، فقضى عليه و رضي، صدقت و الله يا أمير المؤمنين، إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فوهبها له علي، و أجازه بتسعمائة، و قتل معه يوم صفين.

أما السند الثاني: فهي أنه لما توجه علي إلى حرب معاوية افتقد درعاً له، فلما انقضت الحرب ورجع إلى الكوفة أصاب الدرع في يد يهودي يبيعها في السوق، فقال له علي: يا يهودي، هذه الدرع درعي، لم أبع ولم أهب، فقال اليهودي: درعي و في يدي، فقال علي: نصير إلى القاضي، فتقدما إلى شريح، فجلس علي إلى جانب شريح، و جلس اليهودي بين يديه فقال علي: لولا أن خصمي ذمي لاستويت معه في المجلس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صغروا بهم كما صغر الله بهم. فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين، فقال: نعم، إن هذه الدرع التي في يد اليهودي درعي، و لم أبع و لم أهب، فقال شريح: ما تقول يا يهودي؟ فقال: درعي و في يدي فقال شريح: يا أمير المؤمنين بينه، قال: نعم، قنبر والحسن يشهدان أن الدرع درعي، قال: شهادة الابن لا تجوز للأب، فقال: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، و أن الدرع درعك، كنت راكباً على جملك الأورق، و أنت متوجه إلى صفين، فوقعت منك ليلاً فأخذتها، و خرج يقاتل مع علي الشراة بالنهروان فقتل.

هذه القصة قرأتها في سبل السلام للصنعاني، في كتاب القضاء باب تسوية القاضي بين الخصوم في المجلس، عازياً لها إلى الحلية، وأعجبت بها، وكنت آنذاك لا أميز بين الصحيح والموضوع، و قد ارتسمت في ذهني لما اشتملت عليه من العدل والإنصاف من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه؛ و قاضيه شريح بن الحارث الكندي رحمه الله، و بعد زمن طويل طالعت في كتاب الأباطيل للجوزقاني، فإذا هو يذكر القصة في الأباطيل، ولما رأيت الناس معجبين بهذه القصة كما أعجبت بها، فذاك يلقيها في محاضرته، و آخر ينشرها في مجلته، و ثالث يذكرها في كتابه – صور من حياة التابعين – والقصة لا تصح، رأيت أن أذكر ما قال أهل العلم في هذه القصة.

قلت: ذكر القصة الذهبي في الميزان (1/ 585) في ترجمة أبي سُمير حكيم بن خِذام. و ذكر الحافظ الذهبي أن أبا حاتم قال: إنه متروك الحديث، و قال البخاري منكر الحديث يرى القدر .. فعلم بذلك أن القصة ضعيفة جداً من طريق سمير هذا.

والجوزقاني رحمه الله ذكرها في الأباطيل (2/ 197) و قال: (ص 198): هذا حديث باطل تفرد به أبو سمير، و هو منكر الحديث إلى آخر ما ذكره.

و أورد هذه القصة أيضاً محمد بن خلف الملقب بوكيع في كتابه (أخبار القضاة) (2/ 194) بسند آخر مظلم.

و ذكرها ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 388) من هذا الوجه وقال: لا يصح.

و أما السند الثاني فسند مظلم لم أجد في كتب الجرح والتعديل إلا ترجمة علي بن عبد الله بن معاوية و معاوية بن ميسرة، في الجرح و التعديل لابن أبي حاتم.

و رواها البيهقي في السنن الكبرى (10/ 136) من وجه آخر من طريق جابر الجعفي عن الشعبي و ذكر الحديث، و في إسناده عمر بن شَمِر – انظر ترجمته في الجرح والتعديل (6/ 239) و الميزان (3/ 268) – و انظر ترجمة جابر الجعفي في المجروحين (1/ 208) و الميزان (2/ 379) و الجرح والتعديل (2/ 497) –، و هما ضعيفان.

فعلم أن هذه القصة لا تثبت، وعدالة الإسلام معلومة من غير هذه القصة الباطلة والحمد لله.

و تقبلوا تحياتى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير