تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مع أن بعض العلماء قال: المراد ما بث من الدواب في الأرض فقط، فيكون من إطلاق المجموع مراداً بعضه، وهو كثير من القرآن وفي لسان العرب، وبعضهم قال: المراد بدواب السماء الملائكة زاعماً أن الدبيب يطلق على كل حركة.

قال مقيده ـ عفا الله عنه: ظاهر الآية الكريمة أن الله بث في السماء دواب كما بث في الأرض دواب. ولا شك أن الله قادر على جمع أهل السموات وأهل الأرض وعلى كل شيء، ولكن الآيات القرآنية التي ذكرنا بينت أن المراد بجمعهم حشرهم جميعاً يوم القيامة، وقد أطبق على ذلك المفسرون ولو سلمنا تسليماً جدلياً أنها تدل على جمعهم في الدنيا فلا يلزم من ذلك بلوغ أهل الأرض إلى أهل السماء بل يجوز عقلاً أن ينحدر من في السماء إلى من في الأرض لأن الهبوط أهون من الصعود وما يزعمه من لا علم عنده بكتاب الله تعالى من أن قوله جل وعلا: {ي?مَعْشَرَ ?لْجِنِّ وَ?لإِنسِ إِنِ ?سْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَـ?رِ ?لسَّمَـ?وَ?تِ وَ?لاٌّرْضِ فَ?نفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَـ?نٍ} يشير إلى الوصول إلى السماء بدعوى أن المراد بالسلطان في الآية هو هذا العلم الحادث الذي من نتائجه الصواريخ والأقمار الصناعية.

وإذاً فإن الآية قد تكون فيها الدلالة على أنهم ينفذون بذلك العلم من أقطار السموات والأرض مردود من أوجه:

الأول: أن معنى الآية الكريمة هو إعلام الله جل وعلا خلقه أنهم لا محيص لهم ولا مفر عن قضائه ونفوذ مشيئته فيهم وذلك عندما تحف بهم صفوف الملائكة يوم القيامة. فكلما فروا إلى جهة وجدوا صفوف الملائكة أمامهم، ويقال لهم في ذلك الوقت {ي?مَعْشَرَ ?لْجِنِّ وَ?لإِنسِ} والسلطان: قيل الحجة والبينة، وقيل الملك والسلطنة وكل ذلك معدوم عندهم يوم القيامة فلا نفوذ لهم كما قال تعالى: {وَجَآءَ رَبُّكَ وَ?لْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} وقال: {إِنِّى? أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ?لتَّنَادِيَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ?للَّهِ مِنْ عَاصِمٍ}.

الوجه الثاني: أن الجن أعطاهم الله القدرة على الطيران والنفوذ في أقطار السموات والأرض وكانوا يسترقون السمع من السماء كما صرح به تعالى في قوله عنهم وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع الآية وإنما منعوا من ذلك حين بعث صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {فَمَن يَسْتَمِعِ ?لاٌّنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} فالجن كانوا قادرين على بلوغ السماء من غير حاجة إلى صاروخ ولا قمر صناعي فلو كان معنى الآية هو ما يزعمه أولئك الذين لا علم لهم بكتاب الله لم يقل جل وعلا يا معشر الجن لأنهم كانوا ينفذون إلى السماء قبل حدوث السلطان المزعوم.

الوجه الثالث: أن العلم المذكور الذي لا يجاوز صناعة يدوية أهون على الله جل وعلا من أن يطلق عليه اسم السلطان. لأنه لا يجاوز أغراض هذه الحياة الدنيا ولا نظر فيه ألبتة لما بعد الموت. ولأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة.

وقد نص تعالى على كمال حقارتها عنده في قوله جل وعلا: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ?لنَّاسُ أُمَّةً وَ?حِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِ?لرَّحْمَـ?نِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ} إلى قوله {لِلْمُتَّقِينَ} وعلم هؤلاء الكفار نفي الله عنه اسم العلم الحقيقي وأثبت له أنه علم ظاهر من الحياة الدنيا وذلك في قوله: {وَعْدَ ?للَّهِ لاَ يُخْلِفُ ?للَّهُ وَعْدَهُ وَلَـ?كِنَّ أَكْثَرَ ?لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَيَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ?لْحَيَو?ةِ ?لدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ?لاٌّخِرَةِ هُمْ غَـ?فِلُونَ} فحذف الكفار في الصناعات اليدوية كحذف بعض الحيوانات في صناعتها بإلهام الله لها ذلك، فالنحل تبني بيت عسلها على صورة شكل مسدس يحار فيه حذاق المهندسين. ولما أرادوا أن يتعلموا منها كيفية ذلك البناء وجعلوها في أجباح زجاج لينظروا إلى كيفية بنائها أبت أن تعلمهم فطلت الزجاج بالعسل قبل البناء كيلا يروا كيفية بنائها، كما اخبرتنا الثقة بذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير