تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

استدل أصحاب هذا القول بأن الشارع منع بذل العوض في المسابقات إذا كان العوض من المتسابقين؛ لكونه في هذه الصورة من الميسر المحرم. فالمتسابقان كل واحد منهما إما أن يسلم وإما أن يغرم، فإذا بذل العوض أجنبي لم يكن من الميسر المحرم ()؛ لأن كل واحد منهما، إما أن يغنم، وإما أن يسلم.

المناقشة:

يناقش هذا: بأن الشارع الحكيم منع بذل العوض في المسابقة في غير الثلاثة دون اعتبار جهة إخراج السبَق، فقال النبي- r -: (( لا سبَق إلا في خف أو نصل أو حافر)) ()، وقوله في الحديث ((لا سبَقَ)) نكرة في سياق النفي، فتفيد عموم المنع () عن بذل السبَق من كل أحد في غير ما جاءت به السنة، سواء كان من المتسابقين أو من غيرهما. والشارع إنما أباح بذل العوض في المسابقة فيما ورد به النص؛ لأنها من الحق، ولما فيها من التحريض على تعلم الفروسية، وإعداد القوة للجهاد ()، فما لم يكن كذلك فإنه لا يجوز بذل العوض فيه، سواء كان على صورة الميسر، أولا؛ لعموم الحديث.

وقد ذهب إلى ذلك فيما ظهر لي - والله أعلم - كل من وقفت على كلامه من أهل العلم على اختلاف مذاهبهم الفقهية.

فقال ابن عابدين: ((لا تجوز المسابقة بعوض إلا في هذه الأجناس الثلاثة)) ().

وقال ابن شاس: ((كل ما ذكرنا من أحكام السباق، فهو بين الخيل والركاب أو بينهما، وهما المراد بقوله- r -: (( في خف، أو حافر)) ()، ولا

يلحق بهما غيرهما بوجه، إلا أن يكون بغير عوض، فتجوز فيه المسابقة إذا كان مما ينتفع به في نكاية العدو، ونفع المسلمين)) ().

وقال الإمام الشافعي عند كلامه على المعاني المستفادة من حديث ((لا سبَق إلا ... )) (): ((المعنى الثاني: أنه يحرم أن يكون السبَق إلا في هذا)) ().

وقال ابن قدامة: ((ولا تجوز بجُعل إلا في الخيل، والإبل، والسهام)) ().

وقال صاحب غاية المنتهى: ((ولا تجوز مسابقة بعوض مطلقاً إلا في خيل، وإبل، وسهام)) ().

وقال ابن حزم: ((ولا يجوز إعطاء مال في سبْق غير هذا أصلاً، للخبر () الذي ذكرنا آنفاً)) ().

وقد صرّح بعموم الحديث كما لو كان العوض من أجنبي شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: ((ما يكون فيه منفعة بلا مضرة راجحة كالمسابقة، والمصارعة: جاز بلا جعل)) ()، وقال في كلام له على تحريم المسابقة في المحرمات كالنرد ()، والشطرنج ()، ولو كانت بغير عوض: ((النهي عن هذه الأمور ليس مختصاً بصورة المقامرة فقط، فإنه لو بذل العوض أحد المتلاعبين، أو أجنبي لكان من صور الجعالة، ومع هذا فقد نهي عن ذلك، إلا فيما ينفع: كالمسابقة، والمناضلة، كما في الحديث الأسبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل ())) ().

وقال ابن القيم عند تحريره لمذاهب العلماء فيما يجوز بذل العوض فيه من المسابقات وما لا يجوز، وعلى أي وجه يجوز بذل السبَق؟: ((تقدم أن المغالبات ثلاثة أقسام: قسم محبوب مرضي لله ورسوله معين على تحصيل محابه .. ؛ وقسم: مبغوض مسخوط لله ورسوله موصل إلى ما يكره الله - تعالى - ورسوله - r -...؛ وقسم: ليس بمحبوب ولا مسخوط له، بل هو مباح؛ لعدم المضرة الراجحة ... )) ()، ثم قال: ((فالنوع الأول: يشرع مفرداً عن الرهن، ومع الرهن، ويشرع فيه كل ما كان أدعى إلى تحصيله. فيشرع فيه بذل الرهن من هذا وحده، ومن الآخر وحده، ومنهما معاً، ومن الأجنبي، وأكل المال به أكل بحق ليس أكلاً بباطل، وليس من القمار والميسر في شيء، والنوع الثاني: محرم وحده، ومع الرهن، وأكل المال به ميسر وقمار كيف كان، سواء كان من أحدهما، أو من كليهما، أو من ثالث ... )) ()، ثم قال: ((وأما النوع الثالث: وهو المباح، فإنه وإن حرم أكل المال به، فليس لأن في العمل مفسدة في نفسه وهو حرام، بل لأن تجويز أكل المال به ذريعة إلى اشتغال النفوس به، واتخاذه مكسباً ... )) ()، فكلامه يشمل ما إذا كان بذل السبَق من أحدهما أو كليهما أو أجنبي.

وقال عن هذا القسم الأخير في موضع آخر: ((فهذا القسم رخّص فيه الشارع بلا عوض، إذ ليس فيه مفسدة راجحة)) ()، وقال أيضاً: ((النبي- r - أطلق جواز السبَق في هذه الأشياء الثلاثة، ولم يخصه بباذل خارج عنهما، فهو يتناول حلّ السبَق من كل باذلٍ)) ()، فكذا منعه في غير هذه الأشياء الثلاثة من كل باذل أيضاً.

الترجيح:

بعد هذا العرض لأقوال أهل العلم، وأدلتهم فالذي يظهر لي أن القول الأول أقرب إلى الصواب؛ لقوة أدلته، وسلامتها من المناقشات، وضعف ما استدل به أصحاب القول الثاني، وعدم انفكاكها من المناقشات، والله أعلم ().

وفي اخر حاشية من هذا المبحث قال:

هذا ما توصلت إليه في هذه المسألة. وقد راجعني في هذه النتيجة جمع من الأفاضل، وذلك لأمرين:

الأول: أن هذا القول خلاف ما هو مشهور عند كثير من أهل العلم المعاصرين.=

=الثاني: أن هذه النتيجة فيها نوع شدة وضيق، لاسيما في هذا الوقت الذي راجت فيه سوق المسابقات على اختلاف أنواعها وغاياتها، فلم أجد بُداً أمام تلك المراجعات من إعادة النظر في هذه المسألة مرة تلو مرة بحثاً ومناقشة، وفي كل مرة أجدني منساقاً إلى هذه النتيجة، فأعوذ بالله أن أضل أو أُضل، فمن كان عنده فضل علم فليرشدني إليه. والله الهادي إلى سواء السبيل. اهـ

ومن اراد تحميل الكتاب فمن هذا الرابط:

http://www.almosleh.com/publish/cat_index_18.shtml

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير