57 فالاجتهاد بمنزلة الميتة قال الثعلبي والشافعي ولا يحل تناولهما إلا ثم المخمصة والذي ليس بحاكم ويجتهد برأيه فمثله كمثل رجل قعد في بيته ويقول إنما جاز أكل الميتة لفلان ويجوز أكلها لي أيضا
58 فكذلك لا يجوز لأحد أن يحتج بقول المجتهد لأن المجتهد يخطئ ويصيب فإذا كان شيء يحتمل أن يكون صوابا وخطأ فتركه أولى مثل الشبهات من الطعام تركه لها أولى من تناوله
59 وعن الصلت بن رشد قال سألت طاوسا عن شيء فانتهرني فقال أكان هذا قلت نعم قال الله الذي لا إله إلا هو قلت الله الذي لا إله إلا هو قال إن أصحابنا حدثونا عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال يا أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم ههنا وههنا وإن لم تعجلوا قبل نزوله لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد
60 وعن النبي صلى الله عليه وسلم لا تستعجلوا بالبلية قبل نزولها فإنكم إذا فعلتم ذلك لا يزال منكم من يوفق ويسدد وإنكم إن استعجلتم بها قبل نزولها تفرقتم
61 وكان ابن عمر إذا سئل عن الفتوى يقول إذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمور الناس ووضعها في عنقه إشارة إلى أن الفتوى والقضايا والأحكام من توابع الولاية والسلطنة
62 قلت بهذا السبب الشاة سنن اليهود والنصارى وزادوا عليهم حتى صاروا اثنتين وسبعين فرقة وحكم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم من أصحاب النار كما شهد للعشرة أنهم من أصحاب الجنة
63 وقال مسروق سألت أبي بن كعب عن شيء قال أكان بعد قلت لا قال فاصبر حتى يكون فإن كان اجتهدنا لك رأينا
64 وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه ولا
يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه إياه وفي رواية يسأل أحدهم المسألة فيردها هذا إلا هذا حتى ترجع إلى الأول فصل في التنفير من القول بالرأي
65 ثم بعد الصحابة أراد الله أن يصدق نبيه في قوله تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فرقة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحللون الحرام ويحرمون الحلال ورواه البزار في مسنده عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم
66 فكثرت الوقائع والنوازل في التابعين ومن بعدهم واجتهدوا بآرائهم لمن اضطر ومن لم يضطر ووصلت إلى من بعدهم من الفقهاء ففرعوا عليها وقاسوا واجتهدوا في إلحاق غيرها بها فتضاعفت مسائل الفقه وشككهم إبليس ووسوس في صدورهم
67 واختلفوا اختلافا كثيرا رحمة فقد نهى إمامنا الشافعي عن تقليده وتقليد غيره كما سنذكره في فصل
68 وكانت تلك الأزمنة مملوءة بالمجتهدين فكل صنف على ما رأى وتعقب بعضهم بعضا مستمدين من الأصلين الكتاب والسنة وترجيح الراجح من أقوال السلف المختلفة بغير هوى ولم يزل الأمر على ما وصفت إلى أن استقرت إذنه المدونة
69 ثم اشتهرت إذنه الأربعة وهجر غيرها فقصرت همم أتباعهم إلا قليلا منهم فقلدوا بعدما كان التقليد لغير الرسل حراما بل صارت أقوال أئمتهم عندهم بمنزلة الأصلين وذلك معنى قوله تعالى اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من
دون الله
70 فعدم المجتهدون وغلب المقلدون وكثر التعصب وكفر بالرسول حيث قال يبعث الله في كل مائة سنة من ينفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين
71 وحجروا على رب العالمين مثل اليهود أن لا يبعث بعد أئمتهم وليا مجتهدا حتى آل بهم التعصب إلى أن أحدهم إذا أورد عليه شيء من الكتاب والسنة الثابتة على خلافه يجتهد في دفعه بكل سبيل من التآويل البعيدة نصرة لمذهبه ولقوله ولو وصل ذلك إلى إمامه الذي يقلده لقابله ذلك الإمام بالتعظيم وصار إليه وتبرأ من رأيه مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم وحمد الله على ذلك
72 ثم تفاقم الأمر حتى صار كثير منهم الاشتغال بعلوم القرآن والحديث ويرون أن ما هم عليه هو الذي ينبغي المواظبة عليه فبدلوا بالطيب خبيثا
وبالحق باطلا اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فصل في كلام العلماء في الرأي والقياس
73 ثم نبغ قوم آخرون صارت عقيدتهم في الاشتغال بعلوم أن الأولى منه الاقتصار على نكت خلافية وضعوها وأشكال منطقية ألفوها
74 وقد قال عمر بن الخطاب اتهموا الرأي على الدين
75 وقال سهل بن حنيف اتقوا الرأي في دينكم
¥