150 وقال ابن المبارك سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس وإذا جاء عن أصحابه نختار من قولهم وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم
151 وفي رواية قال آخذ بكتاب الله فإن لم أجد فبسنة رسول الله فإن لم أجد في كتاب الله وسنة رسول الله آخذ بقول أصحابه ثم آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم فأما إذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن المسيب وعد رجالا من التابعين فقوم اجتهدوا وأنا أجتهد كما اجتهدوا
152 قال سفيان الثوري لما بلغه ذلك عن أبي حنيفة
نتهم رأينا لرأيهم وكأنه سوى بين الصحابة والتابعين في أنهم إذا اجتمعوا في مسالة على قولين مثلا لم يجز لنا إحداث قول ثالث وجوز أبو حنيفة ذلك وأما ما أجمع عليه الصحابة فلا كلام في أنه لا تجوز مخالفته
153 فقد وضح ذلك من أقوال الأئمة إنه متى جاء حديث ثابت صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فواجب المصير إلى ما دل عليه الظاهر ما لم يعارضه دليل آخر وهذا هو الذي لا يسع أحد غيره قال الله عز وجل فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فنفى سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يحكم رسوله فيما وقع التنازع فيه ولم يستسلم لقضائه
154 وقال عز وجل وإن تطيعوه تهتدوا فضمن الهداية سبحانه في طاعة رسوله ولم يضمنها في طاعة غيره وقال تعالى ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
155 وأوعد على مخالفته قال تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
156 وقال تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا نصوص بعض الأئمة الآخرين في اتباع السنة
157 قال يونس بن عبد الأعلى حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ليس من أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم
وروى أيضا عن مجاهد بإسناد آخر
158 وروى معناه عن الشعبي
159 وكذلك روى شعبة عن الحكم بن عتيبة
160 وروى عن مالك بن أنس أنه قال إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم
فصل في عناية الشافعية بمختصر المزني والثناء عليه
161 كان العلماء من قدماء أصحابنا يعتنون بمختصر المزني وبسببه سهل تصحيح مذهب الشافعي على طلابه في ذلك الزمان وسمعه ثم المزني خلق عظيم من الغرباء ورحل إليه بسببه وامتلأت بنسخه البلدان حتى أنه بلغني أن المرأة جهزت للدخول على زوجها حمل في جهازها مصحف ونسخة مختصر المزني
162 ويروى عن المزني أنه في تصنيف هذا المختصر ست عشرة سنة وما صليت لله فريضة ولا نافلة إلا سألت الله البركة لمن تعلمه ونظر فيه
163 وكان أبو العباس ابن سريج يقول في المختصر لصيق فؤادي مذ ثلاثين حجة وصيقل ذهني والمفرج عن همي عزيز على مثلي اضاعة مثله لما فيه من نسج بديع ومن نظم
164 وعلى ترتيبه وضعت الكتب المطولة في مذهب الشافعي ترجيح البيهقي مذهب الشافعي وسببه
165 قال الحافظ البيهقي قابلت بتوفيق الله أقوال كل أحد الأئمة بمبلغ علمي من كتاب الله ثم ما جمعت من السنن والآثار في الفرائض والنوافل والحلال والحرام والحدود والأحكام فوجدت الشافعي أكثرهم اتباعا وأقواهم احتجاجا وأصحهم قياسا و أوضحهم إرشادا وذلك فيما صنف من الكتب القديمة والجديدة في الأصول والفروع بأبين بيان وأفصح لسان
كلام نفيس في ترك التقليد الأعمى واتباع من شهدت له الشريعة بالعصمة
166 ثم اشتهر في آخر الزمان على مذهب الشافعي تصانيف الشيخين أبي إسحاق الشيرازي وأبي حامد الغزالي فأكب الناس على الاشتغال بها وكثر المتعصبون لهما حتى صار المتبحر المرتفع ثم نفسه يرى أن نصوصهما كنصوص الكتاب والسنة لا يرى الخروج عنها وإن أخبر بنصوص غيرهما من أئمة مذهبه بخلاف ذلك لم يلتفت إليها
¥