تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

000وبعد فإن أظهر أحدكم أمره، وأبدى علمه فنسب إلى الجهل والخطأ لم يؤمن عليه الأنفة والإمتعاض والحقد، فإن استحيسنوا قوله قوله لم يؤمن عليه الفتنة والتزين والإعجاب، وإن قال بغير علم لم يؤمن عليه الجرح، وإن تكلّف القول لم يؤمن عليه الأنفة أن ينسب إلى الجهل، فالله عز وجل لا يحبّ المتكلفين0 وبعد فأنّى لك السلامة مع الصمت وخمول الذكر فكيف إذا نصّبت نفسك عالما يشار إليك وتطاع، ويغدى ويراح إليك، ويقبل قولك ويصدر عن رأيك ويرضى لرضاك ويغضب لغضبك، وعساك تفرّط في بغض المخالفين لك وتفرّط في حبّ الموافقين لك وعلاّم الغيوب مطلع على جولان الضمير فيا لها من فتنة ما أعظمها على العبد إلاّ من عصمه الله!، فهذا فضل ما بين الرجلين0 أحدهما يظهر ما عنده من العلم ويتعرض لأنواع افتن فإما سلامة وإما عطب! 0 والآخر يكتم شأنه فسلم بمنّ الله وعصمته0وبعد فإن قاال قائل إن تركنا مدارسة العلم ولم ننظر فيما يقع من المسائل أوشك أن يندرس العلم، فقولوا له: إن الأمّة لم تضطر إلى أمثالنا ونحن بحمد الله في دهر كثير خطباؤه وفيك بحمد الله وفيمن يظهر ما عنده كفاية تبوحون بالعلم رغبة في الثواب ومنافسة في العلو والرفعة وعساكم تغارون كما تغار النساء، ولو أن طلاب العلم محبوسون في السجون لتخلصوا إلى الوصول إلى بغيتهم من إظهار العلم للعلو في الدنيا والرياسة فيها0 وبعد فإن في التأسّي بالسلف الصالح قدوة؛ فإنهم رغبوا في خمول الذكر وآثروا كتمان شأنهم فهم القادة فكيف بمن هو منقوص والعلم مسجون بالتزين والإعجاب0

إخواني: فعليكم بالستر وإخمال الذكر فإن المظهرين للعلم كثير؛ فمن راغب في الثواب ومن متعرّض للعقاب)) 0

2 - [النصيحة الولدية] وصية أبي الوليد الباجي لولديه0

قال أبو الوليد الباجي في مقدمة الكتاب: ((يابنيّ هداكما الله وأرشدكما ووفقكما وعصمكما، وتفضّل عليكما بخير الدنيا والآخرة، ووقاكما محذورهما برحمته0 إنكما لمّا بلغتما الحدّ الذي قرب فيه تعيّن الفروض عليكما، وتوجّه التكليف إليكما، وتحقّقت أنكما قد بلغتما حدّ من يفهم الوعظ، ويتبين الرشد، ويصلح للتعليم والعلم، لزمني أن أقدّم إليكما وصيتي، وأظهر إليكما نصحتي، مخافة أن تخترمني منيّة ولم أبلغ مباشرة تعليمكما وتدريبكما وإرشادكما وتفهيمكما، فإن أنسأ الله تعالى في الأجل، فسيكثر النصح والتعليم والإرشاد والتفهيم، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون، بيده قلوبكما ونواصيكما، وإن حال بيني وبين ذلك ما أتوقّعه وأظنّه من اقتراب الأجل، وانقطاع الأمل ففيما أرسمه من وصيتي وأبيّنه من نصيحتي ما إن عملتا به، ثبتّما على منهاج السلف الصالح، وفزتما بالمتجر الرابح، ونلتما خير الدنيا والآخرة، وأستودع الله دينكما ودنياكما، وأستحفظه معاشكما ومعادكما، وأفوّض إليه جميع أحوالكما، وهو حسبي فيكما ونعم الوكيل)) 0

ثم قال في موضع آخر، بعد ذكر بعض فرائض الإسلام، وحثّهم على الإستمساك بها والمحافظة عليها0 قال: ((00 فهذه عمد فرائض الإسلام، وأركان الإيمان، حافظا عليها وسابقا إليها، تحوزا الخير العظيم، وتفوزا بالأجر الجسيم، ولا تضيعا حقوق الله فيها وأوامره بها، فتهلكا مع الخاسرين، وتندما مع المفرّطين0

واعلما أنكما إنما تصلان إلى أداء هذه الفرائض والإتيان بما يلزمكما منها مع توفيق الله لكما بالعلم الذي هو أصل كل خير، وبه يتوصّل إلى البر، فعليكما بطلبه؛ فإنه غنى لطالبه، وعزّ لحامله، وهو – مع هذا- السبب الأعظم إلى الآخرة0 به تجتنب الشبهات، وتصحّ القربات، فكم من عامل يبعده عمله من ربّه، ويكتب ما يتقرب به من أكبر ذنبه0 قال تعالى: ((قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا# الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا)) 0

وقال تعالى: ((قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولوا الألباب)) 0

وقال تعالى: ((إنّما يخشى الله من عباده العلماء)) 0

وقال تعالى: ((يرفع الله الّذين آمنوا منكم والّذين أتوا العلم درجات)) 0

والعلم سبيل لا يفضي بصاحبه إلاّ إلى السعادة، ولا يقصر به عن درجة الرفعة والكرامة0قليله ينفع، وكثيره يعلي ويرفع، كنز يزكو على كلّ حال، ويكثر مع الإنفاق، ولا يغصبه غاصب، ولا يخاف عليه سارق ولا محارب0

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير