تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن عطية: " قال الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وقتادة: نَزلتِ الآيةُ خِطاباً للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة". وقال الطاهر بن عاشور: " فكل أمة أو فريق أو قوم تَحَقَقَ فيهم الوصفُ فهم مِنِ القوم المنوه بهم ". وقال شيخ الإسلام: " وهذه حال من قاتل المرتدين وأولهم الصديق ومن اتبعه إلى يوم القيامة ".

والقاعدة المشهورة في أصول التفسير أن" العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب". وهذا إذا وردتِ الآيةُ لسبب خاص، فتكون أحكامها عامة، ولا يظل حكمها حبيس من نزلت في شأنه، بل يدخل فيها من نزلت فيه وتبقى للأمة عامة، وهذه الآية لم يذكرِ المفسرون سبب نزول لها صحيحاً صريحاً، فمن باب أولى إبقائها عامة كما أُنزلت.

فلقد تَحقق وَعْدُ اللهِ مرةً ومرات، وسيظل متحققاً وواقعاً ما قام المسلمون بهذه الأوصاف، وَوَعْدُ اللهِ مَذْخُور لكل مَنْ يتحلى بهذه الأوصاف الجليلة.

وإن هذه الآية جاءت في سياق التحذير من موالاة اليهود والنصارى، وإن ذلك سبب في الردة، وإذا ارتدوا فإنهم ليسوا بأهلٍ لنصرة الدين، قال القاسمي: " لمّا نهى تعالى – فيما سلف- عن موالاة اليهود والنصارى، وبَيّنَ أن موالاتهم مستدعية للارتداد عن الدين بقوله: {فإنه منهم} وقوله: {حبطت أعمالهم} شرع في بيان حال المرتدين على الإطلاق ونوه بقدرته العظيمة، فَأَعْلَمَ أنه مَنْ تولى عن نُصْرَةِ دينه وإقامة شريعته، فإن الله سيستبدل به من هو خيرٌ لها منهم، وأشد منعة، وأقوم سبيلاً". وقال البقاعي: " {من يرتد منكم عن دينه} معناه موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله، فيوالون أعداءه ويتركون أولياءه، فيبغضهم الله ويبغضونه، ويكونون أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين، فالله غني عنهم {فسوف يأتي الله} بوعد صادق لا خلف فيه {بقوم} يكون حالهم ضد حالهم يثبتون على دينهم". أهـ

فبَيّنَ المولى عز وجل أن فئاماً من الناس سيرتدون عن دينهم ويُعْرِضون عنه، ولكن لن يتركَ اللهُ هذا الدينَ يضيع بل سيأتي الحكيم الخبير بفئام آخرين ينصرون الدين ويُعِزُّونَه ويعزرون أصحابه، متصفين بصفات جليلة كريمة، وهذا بفضل الله وكرمه وحكمته، وهو صاحب الفضل والكرم. وقال السعدي: " يخبر تعالى أنه الغني عن العالمين، وأنه من يرتد عن دينه، فلن يضر الله شيئاً، وإنما يضر نفسه، وأن لله عباداً مخلصين ورجالاً صادقين قد تكفَّلَ الرحمنُ الرحيمُ بهدايتهم وَوَعَدَ بالإتيان بهم، وأنهم أكمل الخلق أوصافاً وأقواهم نفوساً وأحسنهم أخلاقاً".

* * *

وبعد أن أوضحنا معنى الآية إجمالاً، نقف مع صفات نَصَرَةِ الدِّينِ وحُمَاةِ الشريعة:

بَيَّنَ اللهُ أنه بعد ضعف الإيمان وتلاشيه من قلوب عباده بسبب غيهم وضلالهم وتقصيرهم في حقوق ربهم، فإنه يستبعدهم عن استخدامهم في نصرة دينه لأنهم قد أصبحوا غير مؤهلين لهذه المنزلة الشريفة، والمكانة الرفيعة، لأنهم عن نصرة الدين قد ضلوا، وحينئذ فقد خابوا وخسروا. وبين أن مَنْ يأتي بهم تتوفر فيهم ستُ صفاتٍ هي أهم المقومات التي يتصف بها المصلحون الجُدُدُ والذين سيَقُومُ الدينُ على كواهلِهم وسيتحملون أعباءَه، قال الشوكاني: " وصف سبحانه هؤلاء بهذه الأوصاف العظيمة، المشتملة على غاية المدح ونهاية الثناء ".

* * *

ولولا أهمية هذه الصفات عن غيرها لما اكتفى بذكرها هنا دون سواها والمقام يقتضي التوضيح والتبيين لصفات من سَيَنْصُرُ الدِّينَ حين يقع الضعف والخمول. والقاعدة الشرعية تقول: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. فذِكْرُه هنا لهذه الصفاتِ، صفاتُ نَصَرَةِ الدِّينِ وحُمَاةِ العقيدةِ، والاقتصار عليها، لدليلٌ على عِظَمِها وأهميتِها، بالإضافة لقيامهم بالواجبات وهذا لا نزاع فيه بل هو من البدهيات. وقد جاء وَعْدُ اللهِ باستخلاف عبادِه الصالحين مُجْمِلاً لصفاتهم في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}. فهذا وَعْدٌ مِنَ الله بأن يستخلف الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتكون لهم السيطرة في الأرض، ونفوذ الكلمة، والسبب في هذه القوة والتمكين هو الإيمان والعمل الصالح، ثم بَيّنَ هذا الإِجْمَالَ في الآية التي معنا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير