تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا بد من إظهار هذه العزة والغلظة، ولا يُكْتَفَي بما داخل القلب، ولا يعني هذا الظلم و التعدي على من لا يستحق ذلك منهم، كالمستأمنين والمعاهدين وأهل الذمة، أو في حال السِلْمِ، ولكن بالقيام بالواجب المطلوب من عدم الخضوع لهم وعدم الإعجاب بما عندهم والانبهار بما وصلوا إليه من رقي وتقدم في الصناعات، والعمل بما جاء في الشريعة من اضطرارهم لأضيق الطريق، وعدم بدئهم بالتحية، وتطبيق الشُروطِ العُمَرِيّةِ عليهم، مع ما يَظْهَرُ على المؤمنِ مِنْ العِزَّةِ عليهم، ولا يتعارض هذا مع دعوتهم والإحسان إليهم بما يتماشى مع ديننا الحنيف، وبدون تمييع لقضايا الأمة بِحُجِّةِ كَسْبِهم وتَأَلُفِ قُلوبِهم. ولكل موضع ما يلائمه، فللحرب ما يناسبها من إظهار القوة والخيلاء في مواطن القتال، ومن بذل الجهد في تقتيلهم بضرب الأعناق وفوق كل بنان، وأخذ أموالهم غنائم، ونساءهم سبايا، ومعاملتهم بما شرع الله في حال الحرب كما قرره الفقهاء في كتبهم في كتب الجهاد، ولحال السِلْمِ ما يلائمها، والمهم هو إظهار العزة، وعدم الاكتفاء بما في القلب، كما سبق في كلام ابن جرير، و قال البقاعي: " أي يظهرون الغلظة والشدة عليهم، لعلمهم أن الله خاذلهم ومهلكهم، وإن اشتد أمرهم وظهر علوهم وقهرهم". وقال الشوكاني: " يظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين ".

قال سيد قطب: " فهؤلاء فيهم على الكافرين شِماس وإباء واستعلاء، ولهذه الخصائص هنا موضع، إنها ليست العزة للذات، ولا الاستعلاء للنفس، إنما هي العزة للعقيدة، والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين، إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير، وأن دورهم هو أن يطوعوا الآخرين للخير الذي معهم لا أن يطوعوا الآخرين لأنفسهم، ولا أن يطوعوا أنفسهم للآخرين وما عند الآخرين! ثم هي الثقة بغلبة دين الله على دين الهوى، وبغلبة قوة الله على تلك القوى، وبغلبة حزب الله على أحزاب الجاهلية .. فهم الأعلون حتى وهم ينهزمون في بعض المعارك، في أثناء الطريق الطويل".أهـ

* * *

وإن هذه الصفة أَضْحَتِ اليوم في عداد المفقودات في هذا الزمن الغابر، حتى إنك ترى المسلمين خاضعين ذليلين لأعداء الدين يسترحمونهم ويستعطفونهم بشهوة أو بشبهة وكلاهما في حاصل الأمر سيان، ويقلدونهم في الملبس والمأكل، حتى أمسوا قدوة لهم، فتقمص المسلمون رداء الذلة، وارتدوا إزار الصغار بسبب هوانهم على الله، إلا مَنْ رحم ربي. والبعضُ ضَّلَ طَرِيقَ العِزَّةِ فظنوها في مجرد جَمْعِ الأموال أو الجلوس عند الملوك وذوي الجاه، قال ابن تيمية: قال بعض الشيوخ: " الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله ".أهـ

بينما العزة الحقيقية قاصرة على الالتزام بطاعة الله وإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.

فسبحان ربي جعل هؤلاء المتخاذلون الذلة لأعداء الدين، والعزة على المؤمنين. فعجباً لحالهم ولصنيعهم. وبعد ذلك أمسوا يلومون ويخطئون من كان ذليلاً على المؤمنين، عزيزاً على الكافرين.

* * *

ومن المهم في الصفتين السابقتين النظر في ملاءمتها للحالة الواقعة، فيُرَاعِي الشخصُ الموقفَ الذي هو فيه وما يناسبه، قال الأمين الشنقيطي: ويُفهم من هذه الآيات أن المؤمن يجب عليه أن لا يلين إلا في الوقت المناسب للين، وألا يشتد إلا في الوقت المناسب للشدة، لأن اللين في محل الشدة ضعفٌ وخورٌ، والشدة في محل اللين حمقٌ وخرقٌ، وقد قال أبو الطيب المتنبي:

إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل

* * *

الصفة الخامسة / الجهاد: {يجاهدون في سبيل الله}

إن من المقرر عند العلماء أن لفظ الجهاد إذا أطلق فالمقصود به القتال في سبيل الله ولا ينصرف إلى غير هذا المعنى إلا بقرينة تدل على المراد، حيث إن الجهاد في الاصطلاح الشرعي يُقْصَدُ به القتالُ من أجل إعلاء كلمة الله، وإن ما عداه من ألوان بذل الجهد والمشقة إنما يدخل تبعاً في معنى الجهاد من باب التوسعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير