[مع أغلى كتاب]
ـ[د. محمد ناجي مشرح]ــــــــ[01 - 01 - 04, 06:49 م]ـ
المشهد الثاني: المؤامرة الآثمة:
كما كان للمشهد الأول مقدمة وتمهيد تتمثل في قوله تعالى {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} كذلك في المشهد الثاني فقد كان له مقدمة وتمهيد تتمثل في قوله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} () وقد تضمن المشهد الثاني جلسة ضمت أخوة يوسف وهم يأتمرون و يتآمرون على الصديق.
يوسف عليه السلام وقد تخلل المشهدين فجوة أو قنطرة يعْبُر من خلالها الذهن من المشهد الأول إلى المشهد الثاني تنشيطا له حتى لا يركد ويترهل. هذه القنطرة هي: ما الذي حدث؟ لقد اجتمع أخوة يوسف ليتآمروا عليه فما الذي حصل هل وصلت إليهم الرؤيا أم أنهم يتآمرون على يوسف لمجرد أن أباهم يحبه أكثر منهم؟ وهل كان هذا التآمر بعد الرؤيا بفترة قصيرة أو طويلة؟ هذه القنطرة مهمة من أجل إبقاء الذهن نشطا؛ وهي قضية شغلت بال الإعلاميين في الفترة الأخيرة حيث أُلفت المؤلفات تحذر من أضرار التلفزيون والتي من ضمنها قتل النشاط الذهني (1) وبعد هذه الفجوة أو القنطرة بعد المشهد الأول يبرز المشهد الثاني وهو عبارة عن جلسة لاتشبه الجلسة التي تضمنها المشهد الأول؛ إن الجلسة في المشهد الثاني مهد لها الشيطان وساقها الحسد؛ إنها جلسة ضمت أبناء يعقوب وهم يتداولون المشورة كيف يكيدون ليوسف؟ وكيف يخرجونه من عند أبيهم؟ مما يدل على أنهم قد اتفقوا على الكيد بيوسف؛ وإنما كانت هذه الجلسة للمداولة وأخذ الآراء حول كيفية إخراجه، ونوع الكيد الذي يتخذونه ضده -بعد إخراجه- وكيف يقنعون أباهم- الذي يحبه أشد الحب ولا يقدر على فراقه-بذلك.وبعد المداولة اتفقوا على أمرين:
الأمر الأول كيفية إخراجه بأن حبكوا عذرا ليقنعوا أباهم أن يسمح ليوسف بالخروج معهم.
الأمر الثاني اتفقوا على نوعية الكيد الذي خُفف من القتل إلى الإبعاد -إبعاد يوسف عن أبيهم -قال تعالى واصفا هذا المشهد {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
لقدانتهى المشهد الثاني وترك المستقبلين يعلوهم الحزن من نا حية على يوسف عليه السلام. ومن ناحية أخرى يكادون من شدة الحنق والغيظ أن يخترقوا حجب الزمن والمكان ليصلوا إلى يعقوب ليحذروه من الاستجابة لكيد الكائدين؛ ليمزقوا المتآمرين إربا إربا؛حتى يسلم يوسف الصدّيق من الكيد،ويسلم يعقوب من ألم الفراق والحزن الذي لا يعلم مداه إلى الله هذه واحدة.
الثانية أن الله تعالى هو أعلم بالنتائج وعلى المؤمن بالله تعالى أن يسلم لله تعالى بالذي يقدره -بعد أن يستقصي الأسباب المباحة والمباحة التي تطلب منه. فما دام أن الله تعالى قد بشر يعقوب في الرؤيا التي رآها يوسف بأن مسبقبلا زاهرا يستقبل يوسف عليه السلام وآل يعقوب جميعهم فعلام القلق إذا. وهذه معالم يصل إليها المؤمن، فتعصمه من الفتنة واليأس اللذين يعصفان بالنفوس عند احتدام المحن الهوج التي تدع غير المؤمن حيرانا لا يلوي على شيء.
ومن ناحية ثالثة فإن مبدأ الشورى مبدأ مبارك؛ يوصل إلى خير بخلاف الرأي المنفرد. فالمشاورة التي وقعت بين أخوة يوسف خففت الكيد من القتل إلى الإبعاد؛ وهو أهون كما هو معروف. وهو ترسيخ لمبدأ الشورى؛ الذي رُسخ يوم أحد بالدماء والأشلاء، وكانت التضحية من أجله ما يقرب من سبعين شهيدا. ()
ومن ناحية رابعة فإن الله تعالى يدافع عن عباده المؤمنين فقد هيأ ليوسف عليه السلام من يدافع عنه في ذلك المجلس الذي جمع أعداءه -فقط- دون أن يحضر معهم أحد من أحبائه. وهذه طمأنة للمؤمن أخرى حتى لا يستوحش إذا تكالب عليه الأعداء وانفردوا بالتخطيط ضده والكيد له تنفيذا ومتابعة وتقويما بقوى لا قبل له بها. ويردد ما ردده موسى عليه السلام في مثل ذلك
{قال كلا إن معي ربي سيهديني (62)} () لقد كان العدو وراءه والبحر أمامه.