[جلال الدين السيوطي .. ومدى القدوة في الدين بقلم ابن عقيل الظاهري]
ـ[السلامي]ــــــــ[01 - 01 - 04, 10:11 م]ـ
جلال الدين السيوطي .. ومدى القدوة في الدين
كُتبتْ كتبٌ حديثة عن جلال الدين السيوطي -رحمه الله- أسرفت في إثبات إمامته في الدين، والاعتداد به حافظاً مجتهدًا .. والدافع في أكثر هذه الكتب تعصب إقليمي، وهذه آفة كثير من كتب المعاصرين كما نرى في كتب المدافعين عن الفاطميين القرامطة .. وجلال الدين السيوطي -رحمه الله- نُسب إليه ما يقرب من ألف كتاب ما بين كتاب من ورقات إلى كتاب من أسفار .. وأنا على وعيٍ بالحذر من قول الأقران بعضهم ببعض؛ لأن ذلك يدخله الهوى، وصراعه مع السخاوي على هوامش العلم ومناصب الدنيا معروف، ولكن كلام السخاوي في الضوء اللامع عن مؤلفات السيوطي هو الحق، وبيان ذلك من أمور: أولهما: أن له كتبًا في غاية الجودة كنواهد الأفكار في التفسير وهو حاشية على البيضاوي، ولم يطبع بعد .. إلا أن هذا الكتاب الفحل يعود في تقريراته إلى من سبقه من الشراح وأصحاب الحواشي .. وقل مثل ذلك عن المزهر والأشباه والنظائر في النحو فكل ذلك جمع، وكذلك في الدر المنثور في التفسير بالمأثور إنما أثره فيه الجمع المخلص من المصنفات المسندة في الحديث من الصحاح والسنن والمعاجم مع أن عزوه للأجزاء لا يكاد يوجد .. ومن المصنفات المسندة في التفسير لابن جرير وابن الضريس وابن أبي حاتم والثعلبي .. إلخ.
وثانيهما: غالب كتبه التي وصلت إلينا مطبوعة ومخطوطة إنما هو اختصار أو إضافة نقلية بحتة إلى كتب مذكورة مشهورة قبله ككتاب ابن الجوزي عن الحبشة وغير ذلك.
وثالثها: أن أجزاءه الصغيرة فيها ما هو من جمعه لا من البناء على تأليف غيره، إلا أن هذا الجمع نقلٌ بحت، ولا يحقق في الأحاديث صحةً وضعفًا وإنما يكتفي بالعزو إلى الكتب.
ورابعها: أنك لا تكاد تجد له اجتهادًا محققًا في أي فن من الفنون كما تجد للفقهاء والحفاظ والأصوليين .. وأعني بالتحقيق الدراية والرواية عن أصول علمية وفكرية وإنما ينقل اجتهاد غيره، ويرجح بالبخت على مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله-.
وخامسها: موسوعيته في التأليف وجمع الكتب هي موسوعة الورَّاق وليس هي موسوعية العلماء الحُفَّاظ، وما استجيد من كتبه فإنما الجودة لصاحب النص الذي نقله عنه.
وسادسها: أن من مأثوره كتبًا عديدة ينبغي هجرها؛ لتخرص نتائجها، وعدم قيامها على علم محقق مثل كتبه في التصوف وحكمه بإيمان أبوي المصطفى -عليه الصلاة والسلام- مخالفًا للأحاديث الصحيحة .. وأما ما كتبه في المجون فحدِّث ولا حرج، وإليك مسردًا ببعضها من هدية العارفين: الأس فيمن رأس في الكس - ووصفه بأنه من المُطايَبات-، والزنجبيل القاطع في وطء ذوات البراقع، ومباسم الصباح في مواسم النكاح، والمستظرفة في أحكام دخول الحشفة (ولعل هذا إن شاء الله في الأحكام الفقهية) .. والموجود بين يدي الآن منها نواضر الأيك في معرفة النيك، ونسب له في كتب الفهارس إلا أن حاجي خليفة مرَّض النسبة قال: «هو مختصر الكتاب المسمى بالوشاح في فوائد النكاح ولعل كليهما من تأليفه». لكن الذي في المقدمة أنه تذييل وليس اختصارًا، وهو من كتب (الباءة)، وما كتب في الباءة تدور عليه الأحكام التكليفية الخمسة .. أي منه المحمود والمذموم وليس أقله (ودعك من أكثره) ينتسب إلى الشريعة، أو إلى السيرة العملية، كما أن كتابه الوشاح من ضمن كتب الباءة وفيه مجون كثير .. وفي غير هذه المناسبة بيَّنتُ الفارق العظيم بين ما أُلِّف في الألفة والأُلاَّف وبين ما أُلِّف في الباءة والمجون الفاحش مما أُطلق عليه بلغة العصر الحديث (الكتب الجنسية)، مع أن هذا الاصطلاح ليس عربيًا وإن كانت المادة عربية حسب استقرائي لكتب اللغة والمصطلحات؛ فلعل ذلك آتٍ عن طريق الترجمة (1).
وللسيوطي كتب أخرى في هذا الفن لا يظهر من عناوينها أنها مُنكرة؛ لأنها مباحث لغوية أو شرعية موضوعها الباءة مثل: الإفصاح في أسماء النكاح، وضوء الصباح في لغات النكاح، ونزهة العمر في التفصيل بين البيض والسود والسمر.
وهي من الكتب المستهجنة إن لم يحصل توثيق تاريخي بوقت تصنيفها محمولة على أنه ألفها وقت تقميشه غير الواعي من كتب الآخرين، وأن كتبه النافعة محمولة على نضجه العلمي وإن كان علمه مجرد نقل وتقليد، ولا تؤهله للإمامة والاجتهاد كما ادَّعى لنفسه، وإنما تعني أنه إن شاء الله أحسن الفيئة في آخر عمره العلمي ..
وإن صح بتوثيق تاريخي أن المستقبح منها ألفه في حياته العلمية الناضجة فليس هو بحجة على الشريعة ولا على علماء الأمة؛ لأنه لم يُحل هذا المجون إلى إباحة شرعية؛ فيكون الأمر تجاوزًا وتقصيرًا منه حسبما ذكرته عن الأصناف الثلاثة في سورة فاطر.
والتمعُّن في كتبه يُصحِّح قولَ السخاوي في الضوء اللامع: «بل أخذ من كتب المحمودية وغيرها كثيرًا من التصانيف المتقدمة التي لا عهد لكثير من العصريين بها في فنون؛ فغيَّر فيها يسيرًا وقدَّم وأخرَّ ونسبها لنفسه .. إلخ» (2). والله المستعان.
ــــــــــــــــــ
(1) بل إن ذلك هو الصواب بعينه؛ لأن كلمة (جنس) بمضمونها الدال على العلاقة بين الذكر والأنثى: هي ترجمة لكلمة sexe في حين أن معنى الجنس في العربية لا يحمل من قريب أو بعيد هذا المفهوم الحديث؛ فعن طريق الخضوع لمدلول الكلمة الأجنبية في التعبير عن علاقة الذكورة بالأنوثة جاءت كلمة جنس في اللغة العربية المعاصرة .. بينما نجد القدماء يتحدثون عن النكاح والمواقعة والمس والمباشرة والمضاجعة، وغير ذلك من الألفاظ للتعبير عن تلك العلاقة، والكلمة في اللغة الأجنبية شأنها في العربية حيادية لا تدل على العلاقة وإنما على مجموعة من المعاني منها العضو المذكر أو المؤنث، ومنها الجماعة من الناس ينتمون إلى أصل واحد (د. محمد خير البقاعي).
(2) السيوطي: هناك أكثر من اسم لعلماء مختلفين، فهل يبرح لنا أبو عبدالرحمن المزيد وهل هناك ما نسب من سقطات لآخرين غير العالم المشهور.
¥