تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يُوْقَفُ مِنْ وَرَائِهِ.

وَلاَ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَى أَحَداً مِنَ الْبَشَرِ مَوْثِقاً مِنَ الْغَلَطِ، وَأَمَاناً مِنَ الْخَطَإِ فَنَسْتَنْكِفُ لَهُ مِنْهَا، بَلْ وَصَلَ عِبَادَهُ بِالْعَجْزِ، وَقَرَنَهُمْ بِالْحَاجَةِ، وَوَصَفَهُمْ بِالضَّعْفِ وَالْعَجَلَةِ، فَقَالَ {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، وَ {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} وَ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، وَلاَ نَعْلَمَهُ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْماً دُوْنَ قَوْمٍ، وَلاَ وَقَفَهُ عَلَى زَمَنٍ دُوْنَ زَمَنٍ، بَلْ جَعَلَهُ مُشْتَرَكاً، مَقْسُوْماً بَيْنَ عِبَادِهِ، فَتَحَ لِلآخِرِ مِنْهُ مَا أَغْلَقَهُ عَنِ الأَوَّلِ، وَيُنَبِّهُ الْمُقِلِّ مِنْهُ عَلَى مَا أَغْفَلَ عَنْهُ الْمُكْثِرَ، وَيُحْيِيْهِ بِمُتَأَخِّرٍ، يَتَعَقَّبُ قَوْلَ مُتَقَدِّمٍ، وَتَالٍ يَعْتَبِرُ عَلَى مَاضٍ.

وَأَوْجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ شَيْئاً مِنَ الْحَقِّ أَنْ يُظْهِرَهُ، وَيَنْشُرَهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ زَكَاةَ الْعِلْمِ، كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَةَ زَكَاةَ الْمَالِ، وَقَدْ قِيْلَ: " اتَّقُوْا زَلَّةَ الْعَالِمِ "، وَزَلَّةُ الْعَالِمِ لاَ تُعْرَفُ حَتَّى تُكْشَفَ، وَإِنَ لَمْ تُعْرَفْ هَلَكَ بِهَا الْمُقَلِّدُوْنَ، لِأَنَّهُمْ يَتَلَقُّوْنَهَا مِنَ الْعَالِمِ بِالْقَبُوْلِ، وَلاَ يَرْجِعُوْنَ إِلاَّ بِالإِظْهَارِ لَهَا، وَإِقَامَةِ الدَّلاَئِلِ عَلَيْهَا وَإِحْضَارِ الْبَرَاهِيْنِ.

وَقَدْ يَظُنُّ مَنْ لاَ يَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ يَضَعُ الأُمُوْرَ مَوَاضِعَهَا، أَنَّ هَذَا اغْتِيَابٌ لِلْعُلَمَاءِ، وَطَعْنٌ عَلَى السَّلَفِ، وَذِكْرٌ لِلْمَوْتَى، وَكَانَ يُقَالُ " اعْفْ عَنْ ذِيْ قَبْرٍ "، وَلَيْسَ ذَاكَ كَمَا ظَنُّوْا، لأَنَّ الْغِيْبَةَ: سَبُّ النَّاسِ بِلَئِيْمِ الأَخْلاَقِ، وَذِكْرُهُمْ بِالْفَوَاحِشِ وَالشَّائِنَاتٍ، وَهَذَا هُوَ الأَمْرُ الْعَظِيْمُ، الْمُشَبَّهُ بِأَكْلِ اللُّحُوْمِ الْمَيْتَةِ، فَأَمَّا هَفْوَةٌ فِيْ حَرْفٍ، أَوْ زَلَّةٌ فِيْ مَعْنَىً، أَوْ إِغْفَالٌ، أَوْ وَهَمٌ، أَوْ نِسْيَانٌ، فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا مِنَ ذَلِكَ البَابُ، أَوْ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ مُشَاكِلاً أَوْ مُقَارِباً، أَوْ يَكُوْنُ الْمُنَبِّهُ عَلَيْهِ آثِماً، بَلْ يَكُوْنُ مَأْجُوْراً عِنْدَ اللَّهِ، مَشْكُوْراً عِنْدَ عِبَادِهِ الصَّالِحِيْنَ، الَّذِيْنَ لاَ يَمِيْلُ بِهِمْ هَوَىً، وَلاَ تَدْخُلُهُمْ عَصَبِيَّةٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ تَحَزُّبٌ، وَلاَ يَلْفُتُهُمْ عَنِ اسْتِنَابِةِ الْحَقِّ حَسَدٌ.

وَقَدْ كُنَّا زَمَاناً نَعْتَذِرُ مِنَ الْجَهْلِ، فَقَدْ صِرْنَا الآنَ نَحْتَاجُ إِلَى الاعْتِذَارِ مِنَ الْعِلْمِ، وَقَدْ كُنَّا نُؤَمِّلُ شُكْرَ النَّاسِ بِالتَّنْبِيْهِ وَالدَّلاَلَةِ، فَصِرْنَا نَرْضَى بِالسَّلاَمَةِ، وَلَيْسَ هَذَا بِعَجِيْبٍ، مَعَ انْقِلاَبِ الأَحْوَالِ، وَلاَ يُنْكَرُ مَعْ تَغَيُّرِ الزَّمَانِ، وَفِي اللَّهِ خَلَفٌ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.

وَنَذْكُرُ الأَحَادِيْثَ الَّتِيْ خَالَفْنَا الشَّيْخَ أَبَا عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ فِيْ تَفْسِيْرِهَا، عَلَى قِلَّتِهَا فِي جَنْبِ صَوَابِهِ، وَشَكَرْنَا مَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ عِلْمِهِ، مُعْتَدِّيْنَ فِيْ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ عَلِمَ فِيْ عِلْمِهِ

وَالآخَرِ: أَلاَّ يَقِفَ نَاظِرٌ فِيْ كُتُبِنَا عَلَى حَرْفٍ خَالَفْنَاهُ فِيْهِ، فَيَقْضِيَ عَلَيْنَا بِالْغَلَطِ، وَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَالِمُوْنَ، وَمَا أَوْلاَكَ رِحِمَكَ اللَّهُ بِتَدَبُّرِ مَا نَقُوْلُ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا، وَكُنْتَ لِلَّهِ مُرِيْداً أَنْ تَتَلَقَّاهُ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً أَوْ كَانَ فِيْهِ شَيْءٌ ذَهَبَ عَنَّا، أَنْ تَرُدَّنَا عَنْهُ بِالاحْتِجَاجِ وَالْبُرْهَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فَي النُّصْرَةِ، وَأَوْجَبُ لِلْعُذْرِ وَأَشْفَى لِلْقُلُوْبِ) اهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير