تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حتى إنك لتقف في كثير من المساجد فلا تهنأ بالصلاة ولا تستحضر عظمة الله ولا تستطيع الخشوع فيها لأن بجانبك من يوسوس "الله أكبر ... الله أكبر ـ يزيد التكبير عشرات المرات ـ نويت نويت نويت" فهذه المذهبية والتعصب العقائدي والتعصب المذهبي ولهم ردود ومؤلفات كثيرة وممن تكلم عن هذا البلاء الخطير وعما انحدر عليه المتعصبون للمذاهب الفخر الرازي عند تفسير قوله تعالى ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم و ما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون)) (1).

قال عند تفسير هذه الآية عن أحد شيوخه المحققين "قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله في بعض المسائل وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات .. فلم يلتفتوا إلهيا وبقوا ينظرون إلي كالمتعجب، يعنى كيف يمكن العمل بظاهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سلفنا وردت بخلافها (2).

هذه من أئمة الشافعية يشهد على أناس من أهل المذاهب أنهم يردون آيات قرآنية وإذا احتج الإنسان بالآيات يبهتون ويقفون مشدوهين كيف يمكن العمل بهذه الآيات وهي تخالف مذهبنا؟ فهذا الرازي منتم لمذهب الشافعي لكن لا ينحدر به التعصب الأعمى إلى المنحدر الذي يهوى إليه كثير من المتعصبين. كذلك أبو شامة والنووي وابن حجر يعالجون بعض هذه القضايا.

أما ابن القيم رحمه الله وغيره فقد كتبوا في ذلك المؤلفات، وما كتاب (إعلام الموقعين) للإمام ابن القيم ـ في أربعة مجلدات ـ إلا علاج لهذا البلاء الخطير، بلاء التعصب الأعمى والتقليد الأعمى.

قال الفخر الرازي: (ولو تأملت حق التأمل لوجدت هذا الداء ساريا في عروق الأكثر من أهل الدنيا داء التعصب للمذاهب وللرأي وللفكر وللسياسة وللحزب سار في أكثر الناس ـ وكيف لو رأى وعايش وعاصر هذا الوقت ورأى فيه العجائب مما هو أدهى وأمر مما كان حاصلاً في عهده؟

وقال بعد ذلك: ليس المراد من الآيات أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، ثم ذكر أوجهاً ثلاثة أخرى وقال: وكل هذه الوجوه الأربعة مشاهد وواقع في هذه الأمة) (3) أهـ.

وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعدي بن حاتم حينما دخل عليه وهو يتلو: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ….)) الآية فقال يا رسول الله: (لسنا نعبدهم، قال: أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فتلك عبادتهم (4).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى قوله تعالى: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)) وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين:

الأول: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على هذا التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهو كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم فكان من أتبع غيره في خلاف الدين، مع علمه أنه خلاف للدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله، مشركا مثل هؤلاء.

الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتاً. لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الطاعة في المعروف) (5).

ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام إن كان مجتهداً قصده اتباع الرسل لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر وقد اتقى الله ما استطاع فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه.

ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله، لاسيما إن اتبع في ذلك هواه ونصره باليد واللسان، مع علمه أنه مخالف للرسول صلى الله عليه وسم فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير