تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الشيخ بكر أبو زيد: (ورد النهي عن الإسبال مطلقاً في حق الرجال، وهذا بإجماع المسلمين، وهو كبيرة إن كان للخيلاء، فإن كان لغير الخيلاء فهو محرم مذموم في أصح قولي العلماء، والخلاف للإمام الشافعي والشافعية إنه إذا لم يكن للخيلاء فهو مكروه كراهة تنزيه، على أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقضي بأن مجرد الإسبال خيلاء). [31]

قلت: ليس كل خلاف يستراح له، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أقوى الأدلة على تحريم الإسبال من غير خيلاء استفسار أم سلمة رضي الله عنها، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها بأن تسدل المرأة ذيلها مقدار شبرين معتدلين، أي حوالي ذراع.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على استفسار أم سلمة: (ويستفاد من هذا الفهم التعقب على من قال: إن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء، قال النووي: ظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء يقتضي أن التحريم مختص بالخيلاء، ووجه التعقيب أنه لو كان كذلك لما كان في استفسار أم سلمة عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة، لأن جميع قدمها عورة [32]، فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط، وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء، ومراده منع الإسبال لتقريره صلى الله عليه وسلم على فهمها.

إلى أن قال: والحاصل أن للرجال حالين: حال استحباب، وهو أن يقصر الإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين، وكذلك النساء على استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع، ويؤيد هذا التفصيل في حق النساء ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" [33] من طريق معتمد عن حميد عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة شبراً"، ويستنبط من سياق الأحاديث أن التقييد بالجر خرج للغالب، وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمر ثوبه). [34]

الحالات التي يجوز فيها الإسبال

الإسبال إما كبيرة من الكبائر إذا قرن بالبطر والخيلاء، بجانب عدم نظر المولى إليه، وإما حرام إذا خلا من ذلك، ولا يحل إلا في بعض الحالات التي استثناها الشرع، وهي:

1. للنساء لستر أقدامهن.

2. عند الضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات، ولهذا فإن للضرورات أحكام خاصة.

3. عند الاستعجال، حيث يغفل الإنسان ويسها عن بعض الأمور من غير قصد، فإذا ذكر وجب عليه في الحال أن يرفع.

4. لمن يتعاهد ذلك دائماً، ولكن يسبل إزاره لنحافته، كحال أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وإليك الأدلة على ذلك

1. الحديث السابق عن ابن عمر: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة؛ قال أبوبكر: يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لستَ ممن يصنعه خيلاء".

وأبوبكر في الحقيقة لا يفعله خيلاء ولا من غير خيلاء، ولكن لنحافته فإن إزاره مهما شمره ينزل ما لم يتعاهده دائماً.

2. عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خسفت الشمس ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام يجر ثوبه مستعجلاً حتى أتى المسجد، وثاب الناس، فصلى ركعتين، فجلي عنها، ثم أقبل علينا وقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا الله [35] حتى يكشفها" [36]، والشاهد فيه: "فقام يجر ثوبه مستعجلاً"، وذلك لفزعه صلى الله عليه وسلم من هذه التغييرات الكونية.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح [37] معلقاً على هذا الحديث: (فإن فيه أن الجر إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النهي).

وقال كذلك: (ويستثنى من إسبال الإزار [38] مطلقاً ما أسبله لضرورة، كمن يكون بكعبيه جرح مثلاً يؤذيه الذباب مثلاً إن لم يستره بإزاره، حيث لا يجد غيره [39]، نبه على ذلك شيخنا في "شرح الترمذي"، واستدل على ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف في لبس القميص الحرير من أجل الحكة، والجامع بينهما جواز تعاطي ما نهي عنه من أجل الضرورة، كما يجوز كشف العورة للتداوي). [40]

3. والدليل على إباحة ذلك للنساء استفسار أم سلمة السابق وإقراره صلى الله عليه وسلم على ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير