أدل دليل على عدم التفريق ما قاله الخليفة الراشد، والإمام العادل، والعبقري الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو محتضر لذلك الشاب الأنصاري العاقل، الذي أثنى على عمر خيراً، وعندما خرج قال عمر: ردوه عليّ؛ فعندما رد إلى عمر قال له: "ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك".
قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله: (لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجرُّه خيلاء! لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول: لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيّ، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره). [46]
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على ما قاله الإمام ابن العربي المالكي: (وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه: "وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة"). [47]
4. الإسبال حرام، ولا يليق بأي مسلم ذكر، صغيراً كان أم كبيراً، وتشتد حرمته ويقبح فعله من المنتسبين إلى العلم والدين، سيما الأئمة منهم في الصلاة، لما يعرض وضوءهم وصلاتهم إلى النقصان إن لم نقل إلى البطلان، فالحذر الحذر أخي الحبيب من الإسبال المؤدي إلى البطر والخيلاء والخسران، وعليك أن تبادر باتباع أمر رسولك وحبيبك محمد، وعليك أن تقتدي بأصحاب رسولك في سرعة الاستجابة لأوامره ونواهيه، وعليك أن يكون لك في خُريم الأسدي الأسوة الحسنة، عندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم الرجل خُريم، لولا طول جمته وإسبال إزاره"، فأخذ خريم شفرة وقطع بها جمته، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه. [48]
فعليك أخي الحميم أن تأخذ جلاليبك وسراويلك وقمصانك، وإن كنت مبتلياً بلبس "البناطلين" فخذها كذلك واذهب بها إلى أقرب ترزي، وقص ما زاد على الكعبين والرسغين، والله يسامحك على سعتها، واحذر أن تخيط ثياباً جديدة تزيد على كعبيك ورسغيك، وإلا فاعلم أن النار ستسع ذلك كله، أعاذنا الله وإياكم من النار ومن غضب الجبار.
5. لا ترغب أخي المسلم عن نظر الله إليك يوم القيامة، فهو من أعظم النعم، وقد توعد الله أنه لا ينظر إلى من جر إزاره خيلاء وبطراً، واعلم أن مجرد الجر هو خيلاء.
6. احذر اخي الكريم لباس الشهرة، ولا تشمر سراويلك، وقمصانك، وجلاليبك أعلى من نصف ساقيك، فإسبال الثياب وسعتها شهرة وكذلك تشميرها الزائد عن الحد الشرعي شهرة، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وخير الأمور الوسط، فلتكن ثيابك ما بين نصف ساقيك إلى ما فوق كعبيك.
والشهرة في اللباس تكون في الإسبال، وفي التشمير المخل، وفي السعة، واللون، والهيئة، والصفة، والتشبه بالكفار، وهو كل ما خرج عن العادة والعرف الشرعي، خرَّج أبو داود بسنده عن ابن عمر يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله"، زاد عن أبي عوانة: "ثم تلهب فيه النار" [49]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه كذلك: "من تشبه بقوم فهو منهم". [50]
قال الشيخ بكر أبوزيد: (وتحصل الشهرة بتميز عن المعتاد: بلون، أوصفة تفصيل للثوب، وشكل له، أوهيئة في اللبس، أومرتفع أومنخفض عن العادة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يحرم لبس الشهرة، وهو ما قصد به الارتفاع، وإظهار الترفع، أوإظهار التواضع والزهد، لكراهة السلف لذلك.
وقال غير واحد من السلف: لباس الشهرة مما يزري بصاحبه ويسقط مروءته.
وقال معمر: عاتبت أيوب على طول قميص، فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في طوله، وهي اليوم في تشميره.
وقد روى إسحاق بن إبراهيم بن هاني قال: دخلت يوماً على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وعليَّ قميص أسفل من الركبة وفوق الساقين، فقال: أي شيء هذا؛ وأنكره، وقال: هذا بالمرة لا ينبغي.
وإذا حملتك الغيرة في الإنكار على المسلمين، فتخلص قبلُ من لباس الشهرة، كما يتعين على المسبل أن لا ينكر على المرتدي لباس الشهرة وهو متلبس بالإسبال، ابدأ بنفسك فانهها عن غيها .. ). [51]
7. أما حجاب المرأة فلا يدخل في هذا، فلها أن تلبس العباءة أوأي لباس يغطي جميع جسدها، سواء كان معتاداً في بلدها أم غير معتاد، فالمعروف ما عرفه الشرع، والمنبوذ ما نبذه الشرع.
¥