الحمد لله الذي أمرنا بالاقتداء والتأسي بالأنبياء وأتباعهم، وحذرنا من التشبه بالكفرة، والفجرة، والفاسقين، فقال: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" [1]، وقال: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ... لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد" [2]، ورضي الله عن ابن مسعود حين قال ناصحاً لإخوانه المسلمين من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: "من كان مستناً فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا فضلهم، واتبعوهم في أقوالهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على صراط مستقيم".
اعلم أخي الكريم أن أحب الكلام كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، واعلم كذلك أن الهدي الصالح والسمت الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة كما أخبر الصادق المصدوق.
وما من هدي ولا سمت أفضل ولا أحسن ولا أكرم ولا أصلح من هدي وسمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان من الأنام.
من هذا السمت الصالح والهدي الفالح تعاهد الأزر، والقمصان، والسراويل، والعمائم، والأكمام، ألا تزيد وتتجاوز على ما كان عليه هدي سيد ولد عدنان، (وكان هديه في لبسه لما يلبسه، أنفع شيء للبدن، فإنه لم يكن يطيل أكمامه ويوسعها، بل كان كم قميصه إلى الرُّسْغ، لا تجاوز اليد، فتشق على لابسها، وتمنعه خفة الحركة والبطش، ولا تقصُرُ عن هذه فتبرز للحر والبرد.
وكان ذيل قميصه وإزاره إلى أنصاف الساقين، لم يتجاوز الكعبين، فيؤذي الماشي ويؤوده، ويجعله كالمقيد، ولم يقصر عن عضلة ساقه فتنكشف فيتأذى بالحر والبرد.
ولم تكن عمامته بالكبيرة التي يؤذي الرأس حملها ويضعفه، ويجعله عُرضة للضعف والآفات كما يشاهد من حال أصحابها، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد، بل وسط بين ذلك). [3]
ومن عجيب أمر غالبية الذكران من المسلمين تهاونهم في أمر تواترت فيه الأحاديث والسنن تواتراً معنوياً، وزاد عدد رواتها عن ست وعشرين صحابياً، وورد فيه من التحذير والتغليظ الشيء الكثير، نحو: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً" [4]، و"ما أسفل من الكعبين فهو في النار" [5]، و"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم"، وذكر منهم: "المسبل". [6]
وأعجب من إسبال الرجال، تشمير بعض النساء عن سوقهن بعد الإسفار عن شعورهن ووجوهن، وقد أمرن بإسبال ذيولهن ذراعاً، مخالفات بذلك أمر رسولهن، ومخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح تورد المهالك، قال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أويصيبهم عذاب أليم" [7]، قال الإمام أحمد: (الفتنة الشرك، لعله إن ترك بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك)، ومخالفات لما سنته لهن هاجر أم إسماعيل عليها السلام، كما ذكر ذلك الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في "الاستذكار" [8]: (أول امرأة جَرَّت ذيلها هاجر أم إسماعيل عليه السلام)، فقد عكسن الآية كما يقولون.
ولله در أمنا أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، ما أطهرها وأعفها، عندما خشيت أن يكون التشمير عاماً للرجال والنساء استفسرت عن ذلك في الحال، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة؛ فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبراً، فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن، فقال: يرخينه ذراعاً لا يزدن عليه". [9]
وبعد ..
فهذا بحث عن الإسبال في اللباس، عن حكمه للرجال والنساء، وعن الحالات التي يباح فيها الإسبال، وعن أدلته، وهل هناك فرق بين من يصنعه تكبراً وخيلاء وبين من يفعله عادة وتقليداً؟ وعن مذاهب أهل العلم في حكم وضوء وصلاة المسبل، وما يتعلق بذلك.
¥