تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مع أغلى كتاب]

ـ[د. محمد ناجي مشرح]ــــــــ[05 - 01 - 04, 07:09 م]ـ

المَشاهد وأثرها النفسي والتربوي

المشهد الرابع الخروج الذي لا عودة منه

لقد حوى هذا المشهد آية واحدة -فقط- إذ صورت المشهد وملابساته تصويرا دقيقا.ولقد سبق المشهد فجوة أو قنطرة مفادها أن يعقوب عليه السلام لم يسجل موافقته من عدمها من خلال النصوص , ولم تظهر موافقته إلا في المشهد الرابع حيث خرج يوسف معهم فهل كانت الموافقة قد وقعت من يعقوب أم لا وهل كان خروجه بعدها مباشرة أم بعدها بفترة؟

والمشهد كما هو واضح يجلي خروج يوسف عليه السلام مع أخوته وماإن يتولوا عن أعين الناس حتى تتوالى اللكمات على يوسف عليه السلام وكلما استجار بواحد منهم استقبله بالضرب حتى كادوا أن يقتلوه لولا أن أخاهم الكبير ذكرهم بما اتفقوا عليه ويستمر هذا المشهد إلى أن ألقوه في الجب وحيدا عريانا لاأنيس له إلا الله تعالى. وهذا المشهد بكامله تسجله - مع طوله- آية واحدة هي قول الله تعالى {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (15} ([1])

ويسدل الستار على يوسف وقد أ ضحى محبوسا في الجب لاقدرة له على الخروج منه بمفرده وأقبل الليل بظلمته ووحشته يتدسس ويتعسعس! وهو كما خلقه الله تعالى. ولاندري فلعل البرد في هدا الوقت شديد فكيف كان حال يوسف الصديق الصغير المجرد من ثيابه في هذا الجو الكئيب الصعب الذي تنخلع له القلوب وتطير منه الأفئدة لقد انصبت إلى يوسف الغلائب من جميع النواحي: فراق أبويه، مكر أخوته، حبسه في الجب، إقبال الليل ووحشته،شدة البرد؛ عوامل تدع الحليم حيرانا، والرجل الثابت الجنان مذهولا فكيف بيوسف الصغير الذي لا يعرف المحن والخداع وكيد الآخرين وأحقادهم ولم يفارق أبويه؛ إنه الصغير الذي يحتاج إلى عناية ورعاية ورحمة لا إلى قسوة وكيد ومكر وقلة رحمة اللهم يا رب إنا نسألك الرحمة ونعوذ بك يا ألله من القلوب القاسية التي لا ترحم حسبنا أنت ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أفياء من خلال المشهد

1 - قيمة هذه الدنيا عند الله تعالى إذ لوكانت الدنيا تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة ما ترك أولياءه تنالهم المكاره. ويعبث بهم العابثون وهم أحب الخلق إليه سبحانه وتعالى. لكنها الدنيا يهبها الله تعالى لمن يحب ولمن لايحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما روىْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ اضْطَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ فِي جِلْدِهِ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كُنْتَ آذَنْتَنَا فَفَرَشْنَا لَكَ عَلَيْهِ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم {َ مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا *} ([2])

ويقول كما حدث بذلك عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ {كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ *} ([3]) والأدلة على هذا لاتحصى ولاتعد في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وبالتالي يتبين للعقلاء من الناس طبيعة الطريق الموصل إلى الله وبالتالي إلى الجنة بأنها محفوفة بالمكاره وليست مفروشة بالورود والرياحين وأشد الناس بلاءً فيها الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. وعلى المؤمن أن يعي هذا ويعرف سبيل المؤمنين الذين تخذوا من الأنبياء والمرسلين قدوة لهم فكانوا خير خلف لخير سلف

2 - متانة التربية تقي مصارع السوء والانهيارات التي تحدثها المفاجئات ولا ريب أ ن توفيق الله تعالى يستدعي بذل الأسباب الموصلة إلى ذلك. فإذا لمس الله تعالى من عبده أنه قد بذل الأسباب الموجبة لتوفيق الله وفقه. فيعقوب ويوسف عليهما السلام قد عصمهما الله تعالى بلطفه ثم بسبب تربية النفس على الجادة وما أحوج الإ نسان أيا كان إلى ذلك.

3 - اختيار الأفضل في معالجة المشكلات فمادام أن ثمة علاج للمشكلة القائمة من طريق قريب وبتكاليف أقل كان ذلك هو المتعين عند العقلاء وهذا -لاشك -يستدعي تريثا من أجل تقليب الأمور واستعراض الحلول والصبر على ذلك وعدم الاستعجال وكل ذلك يحتاج إلى توفيق من الله تعالى أولا؛ والذي يستدعي التجاءً إلى الله تعالى وفعل الأسباب " إن السفينة لاتجري على اليبس" فما كان أسهل أن يعرض أبناء يعقوب على أبيهم المشكلة والاستجابة من الأنبياء إلى ما هو خير هو المتعين وهذا الطريق ماأسهله وما أيسره وما أقل تكلفته على الجميع. فلا ريب أن المشاهدين قد اقتطفوا من المشهد تلك اللمسات وغيرها


[1] الآية من سورة يوسف

[2] رواه أبن ماجة في كتاب الزهد برقم 4099ورجاله ثقات

[3] رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم6416.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير