تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رصيدالفطرة0]

ـ[مسلم الحربي]ــــــــ[11 - 01 - 04, 12:52 م]ـ

لا شك أن الناس جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها يجدون من أنفسهم أمورًا مستحسنة ومستقبحة فيما بينهم دون القيام منهم بالإتفاق على حسنها وقبحها0 مثل:

ميل الناس جميعًا إلى: حبِّ النساء، والبنين، والمال، والذهب، والفضة، والجمال000 وإلى بغض: الفقر، والدمامة، والمرض، والعجز، والكسل000 هذا في الشهوات0

وأما في السلوك: فنجد اتفاق البشر على حبّ: الصدق، والأمانة، والعدل، والتواضع، ومحاسن الأخلاق000

وعلى بغض: الكذب، والخيانة، والظلم، ومساوىء الأخلاق000

والسؤال المطروح في هذا الصدد هو:

هل هناك مدرسة دخل فيها كافة البشر- على اختلاف مللهم، ونحلهم، وألسنتهم، وطباعهم000 فتلقوا فيها تلك التعاليم والسلوك؟

بالطبع: لا0

بل إن الطفل الصغير لو ترك على طبيعة خلقته منذ ولادته حتى تعقّله دون معلم، ولا مربٍ لوجدته قد شبَّ على الحالة الموصوفة سابقًا0

إذًا فتلك الشهوات والغرائز، وهذه الأخلاق والسلوك قد فطِرَ الإنسان عليها وطبع بها، وهي تجري في دمه، وتسري في روحه، وتنمو مع نموّ جسده0

كذلك لدى الناس جميعًا حب فطري للإستطلاع، زوّدهم به الخالق- جل وعلا- ليكون الأداة الرئيسية في نمو معارفهم وخبراتهم؛ لكن هذه الإمكانية - كشأن كلّ الإمكانات- بحاجة إلى حماية ورعاية0

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة- رضي الله عنه-: ((ما من مولود إلآَّ يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تنْتَج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء)

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ((فطرة الله الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم)) 0

قال النووي رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث: ((000 والأصح أن معناه أن كلّ مولود يولد متهيئًا للإسلام فمن كان أبواه أو أحدهما مسلمًا استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا وهذا معنى يهودانه وينصرانه ويمجسانه أي يحكم له بحكمهما في الدنيا فإن بلغ استمر عليه حكم الكفر ودينهما فإن سبقت له سعادة أسلم وإلاَّ مات على كفره)) 0

إذًا فالمولود يولد على نوع من الجبلَّة والطبع المتهيء لقبول الدين، فلو ترِكَ عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها لغيرها، وإنما يعدل عنها مَنْ يعدل؛ لآفة من آفات البشر والتقليد0 فطريق الشهوات والغواية طريقًا يجد المرء ما يدعوه له في هذه الدنيا العريضة؛ والذي يقطع هذا الطريق ويمحو أثره، هو الوحي ومنهج الله، والذي يوافق متطلبات الفطرة في النفس البشرية0

إن الله- جل وعلا- خلق العقل البشري ليكون عقلاً عمليًا، لا ينتج إلاَّ ضمن أطر ومسلمات ومحدودات معينة، وحين يتْرَك ليبتدع هو أطر عمله، فإنه يكون قد زجَّ به في بحر لجِّي، لا يحسن فيه أي شكل من أشكال العوم، وستكون النتيجة ما نراه اليوم لدى فلافسة الغرب من اختلاف، واضطراب في كلّ شيء حتى ما يمكن أن نعده أمرًا بدهيًّا في بعض الأحيان! 0

إن (الوحي) الذي استدبره الغرب- لأسباب تاريخية – هو الذي يمنح إطار التوازن والتكامل للأعمال التربوية، وهو الذي يؤمِّن نوعًا من الإنسجام

والتلاحم بين متطلبات الفطرة في النفس البشرية، ومتطلبات الإنتماء التاريخي والمجتمعي ومتطلبات العيش الكريم0 وقد أحسَّ الغرب بسعة الفجوة التي تركها الإبتعاد عن الدين والإهتداء بهديه، فحاول ردمها بالكثير الكثير من الدراسات النفسية والإجتماعية والتربوية، وأبدى براعة فائقة في كلِّ ذلك، لكن النتائج على الصعيد العملي كانت مخيِّبة للآمال؛ فعلى الرغم من الخبرات والمعارف التربوية التي تراكمت على نحو هائل خلال القرنين الماضيين إلاَّ أن الجريمة وإدمان المخدرات والإنحلال القيمي والتفكك الأسري آخذة في الإشتداد والإنتشار، وكأن عمل الباحثين كان جهادًا في غير عدو!!

أمَّا أمَّة الإسلام فقد أكرمها الله- تعالى- بالوحي الذي وضع يدها على الكثير الكثير من مكونات النفس البشرية، كما أن لها تاريخًا غنيًا بالخبرات والتجارب، وقد رسم لها دينها الأهداف الكبرى التي ينبغي أن تسعى لإنجازها، وملَّكها المنهج الربّاني الكثير من الأصول والمبادىء والأدبيات التي تسعفها في بلورة نظرية تربوية متكاملة ومتماسكة000 إن الوحي يمنحنا الثوابت، ويوضح لنا الخطوط العريضة، ويحدِّد لنا الأطر العامة، وعلينا نحن أن نقوم بواجبنافي تلبية مطالب ما تأتي به المتغيرات، واختلاف الأزمنة والأمكنة والتحولات الثقافية الكبرى، وأن نتلمس عبر الدراسات والإحصاءات والملاحظات الذكية طريقنا في النهوض بأبنائنا وأوضاعنا العامة على الوجه الأكمل0

وهكذا فقد أضيرت التربية في الغرب من خلال الإنحراف عن المبادىء الكلية، والخروج من الأطر العامة، وتضييع الأهداف الكبرى؛ وأصيبت التربية لدينا نتيجة الإهمال والكسل والقصور في الوسائل ورداءة الأوضاع العامة، ولكن على حين حرق الغرب مراكب العودة إلى رياض الوحي؛ فإن طريق التصحيح لدينا ما زال مشرَع الأبواب، إذا ما توفر لدينا ما يكفي من الإخلاص والعزيمة0

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع:

1 - كيف تدعو ملحدًا لأبي يوسف مدحت بن الحسن آل فراج0

2 - حول التربية والتعليم لـ أ0د0 عبدالكريم بكار0

3 - صحيح مسلم بشرح النووي

4 - الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني0

5 - المدرس ومهارات التوجيه للشيخ محمد بن عبدالله الدويش0

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير