تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المزابنة المنهي عنها، وهو بيع التمر بالتمر مجهولين أو أحدهما، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ربا، هذا معنى ما ذكره الإمام مالك رحمه الله تعالى.

وقد تقرر أن هذا الفعل من أنواع الربا المحرم، وأن العلماء اتفقوا على تحريمه، وأن هذا أصل مطرد التحريم، لا يخص منه صورة دون صورة، ومن أباح شيئاً من ذلك بلا دليل من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا قياس، ولا إجماع، فقد افترى على الله وعلى رسوله كذباً وظلم نفسه وتكلف مالا علم له به، وقد قرن الله سبحانه وتعالى بين القول عليه بلا علم وبين الشرك في كتابه، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (16)، قال بعض السلف "احذروا القول على الله بلا علم فإنه قرين الشرك في كتاب الله تعالى"، وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "يا أيها الناس من كان معه علم فليقل به، ومن لم يكن معه علم فليقل الله ورسوله أعلم، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) اهـ (17).

وأما فعل عوام الناس من الجهال والطغام في هذه الأزمان التي قبض فيها العلم، وفشا الجهل، واتبع فيها الهوى، وأوثرت الدنيا، واستهين بطاعة رب الأرض والسماء، وأعجب كل ذي رأي برأيه، واتبع هذا الجنس ما يلقيه الشيطان في وسوسته ووحيه، فلا يغتر بهذا الضرب من الناس وأفعالهم رجلٌ آمن بالله ولقائه وامتلأ قلبه من خوفه ورجائه، فالله المستعان.

والعجب أني سمعت بعض المنتسبين (18) (إلى الدين)، يبيح بعض هذه الصور مما تقدم ذكره، فسألته عن ذلك فأقر، وقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على غرماء والد جابر لما قتل وأتاه جابر أن يقبلوا ثمر حائطه، وفي بعض روايات الحديث أنه قال: "ليس لكم إلا ما وجدتم" (19)، وهذا من جهله وجرأته وعدم فهمه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذهب، ولم يأمر أحداً من أصحابه أن يخرص لكل واحد نخلة أو نخلات عن دَيْنِه المعلوم، وإنما أمرهم أن يقبلوه، ويجذوه، ويقتسموه على قدر حصصهم، فإن بقي من دينهم شيء فهو على حاله أو يسقطوه، وهذا جائز (20)، وهو ظاهر الحديث فإن في بعض ألفاظ البخاري "أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي"، وحديث جابر حديث صحيح مشهور خرَّجه الجماعة، وترجموا له تراجم متعددة بحسب ما تضمن من الفقه، فقال البخاري رحمه الله في صحيحه "باب إذا قاضه أو جازفه في الدين تمراً بتمر أو غيره" (21) وذكره، وقال أيضاً "باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز" (22)، وكذلك أهل السنن، وسياقهم متقارب، وقال البخاري أيضاً "باب المقاصة والمجازفة: قال وهب بن كيسان أن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أخبره أن أباه توفي، وترك عليه ثلاثين وسْقاً لرجل من اليهود، فاستنظره جابر، فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له (إليه)، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيه ثم قال لجابر: جُدَّ له فأوف له الذي له، فجدَّه بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوفاه ثلاثين وسقاً، وفضلت له سبعة عشر، فجاء جابر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي كان، فوجده يصلي العصر، فلما انصرف أخبره بالفضل (23)، فقال: أخبر بذلك ابن الخطاب، فجاء جابر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: لقد علمت حين مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن فيها" (24) وقبل هذا قال البخاري رحمه الله: "باب إذا قضى دون حقه أو حله فهو جائز"، وساق الحديث مختصراً من طريق آخر، لكن فيه شاهداً للترجمة وهو قوله: "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي"، قال (ابن حجر) في فتح الباري على هذه الترجمة: (قال ابن بطال (25): لأنه يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللةٍ، ولو حلله من جميع الدين جاز عند جميع العلماء فكذلك إذا حلله من بعضه، ووجهه ابن المنير (26) بأن المراد: إذا قضى دون حقه برضا صاحب الدين، أو حلله صاحب الدين من جميع حقه فهو جائز"، وقال صاحب الفتح أيضاً على

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير