ومن أنواع المنكرات (20): ما يفعله كثير من الجزارين وغيرهم من بيع جلود الحيوان قبل ذبحه، يساومون عليها في الأسواق بلا نكير لذلك، وهذا محرم لايصح، ولاينعقد به بيع، كبيع وصرفه، والحالة هذه، وقد اغتر كثير في بلادنا في هذه المسألة فقاسوها على مسألة الاستثناء، ولاينبغي ذلك القياس، والتخرص بالآراء من دون تحقيق للمسائل، لأنه قول على الله بلا علم، أما الاستثناء فقد نص الفقهاء عليه رحمهم الله، إذا باع حيواناً واستثنى جلده ونحوه من الظاهر منه فلا بأس، وأما إفراد عضو من أعضائه ببيع وهو حي فقد منعوه، فليتجنب ذلك، وأن ينكر على فاعله.
فهذه الأمور وأمثالها موجودة في الأسواق فعلى المسلمين اجتنابها، والإنكار على فاعلها، فإن المحسن شريك المسيء إذا لم ينهه، فاتقوا الله عباد الله، واشكروا مولاكم على ما أعطاكم من نعمه وأولاكم، وتناصحوا بينكم، وبينوا ولا تكتموا، وبروا، واصدقوا، ولا تكذبوا، تكثر لكم البركات، وتدفع النقمات، فقد قال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار مالم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما" (21)، وقال صلى الله عليه وسلم: "اليمين مَنفَقة للسلعة ممحقة للبركة والكسب" (22)، وقال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" (23)، وحرم صلى الله عليه وسلم النجش (24)، وهو: أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها (25)، وبيع المسلم على بيع أخيه (26)، كأن يقول عندي لك أرخص مما اشتريت، أو آخذها منك أغلى مما بعت، فهذه الأنواع كلها محرمة بين المسلمين، وفقنا الله وإياكم للقول الحق والتواصي به، والتعاون عليه، إنه على مايشاء قدير (27)، وبالإجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
1340هـ إملاء الفقير إلى مولاه سليمان بن عطية بن سليمان.
(إن تجد عيباً فسد الخللا * * * جل من لا عيب فيه وعلا).
بقلم الفقير الذليل إلى ربه الملك الجليل/ صالح العلي الطويرب.
في ملك الله تعالى ثم الفقير، الحقير، المقر في ذنب وتقصير، محمد بن عبدالقادر بن سيف، غفر الله له ولوالديه آمين سنة 1349/ 5 ذي الحجة.
إن تجد عيباً فسد الخللا * * * جل من لا عيب فيه وعلا
نعيب زماننا والعيب فينا * * * وما لزماننا عيب سوانا
سجنت بها وأنت لها محب * * * فكيف تحب ما فيه سجنتا
فلا تله بدارٍ أنت فيها * * * تفارق منها يوماً ما لهوتا (28)
وتطعمك الطعام وعن قريب * * * ستطعم منك ما منها طعمتا
الهوامش:
1 - سورة المائدة آية (2).
2 - سورة العصر آية (2).
3 - سورة آل عمران آية (104) وفي أصل الرسالة كتبت الآية خطأ (الخيرات) بدلاً من (الخير).
4 - سورة آل عمران آية (110).
5 - سورة التوبة آية (71).
6 - سورة المائدة آيتا (78، 79).
7 - الحديث رواه البخاري في كتاب العلم، ومسلم في كتاب الغيمان 2/ 22021، وأبو داود في باب الأمر والنهي رقم (4340)، ابن محاجه في كتاب الفتن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رقم 4013، والترمذي والنسائي وأحمد والدارمي وغيرهم.
8 - يريد بذلك إقامة أهل الحسبة في الأسواق وغيرها، وهذا موجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يقوم بذلك بنفسه، وكذلك قام به أبو بكر رضي الله عنه، وغيره من خلفاء المسلمين انظر على سبيل المثال: رسالة الحسبة لابن تيمية، والأحكام السلطانية للماوردي، ولأبي يعلى الفراء الحنبلي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال، وغيرها.
9 - ما يسمى عند القهاء بتلقي الركبان، انظر: منتهى الإرادات لابن النجار مع حاشية ابن قائد النجدي ج2 ص305، والمغني لابن قدامة تحقيق التركي والحلو ج6 ص308، والإقناع لابن قدامة تحقيق التركي ج2 ص208، والعدة لبهاء الدين المقدسي ص216، والإفصاح لابن هبيرة ج1 ص353.
10 - انظر: المقنع لابن قدامة ومعه الشرح الكبير لأبي الفرج ابن قدامة، والإنصاف للمرداوي تحقيق التركي ج11 ص366، والكافي لابن قدامة ج3 ص123 تحقيق التركي، والموسوعة الفقهية الكويتية ج9 ص100، والإفصاح لابن هبيرة ج1 ص360.
¥