تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن الإماء عموما يخفف عنهن في الأحكام و العقوبات ما لا يخفف على الحرائر فكانوا ينهون الأمة أن تتشبه بالحرة في اللباس و عقوبتها على النصف من عقوبة الحرة كما قالت تعالى (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) و ما ذلك إلا أن الأمة لا تتحرز من الوقوع بالفاحشة كما تتحرز الحرة هذا على العموم و من تدبر قواعد الشرع علم ذلك علم اليقين.

ثم إن آية النساء في تخفيف العقوبة ظاهره في الإماء المؤمنات و علمنا أن سبب هذا التخفيف هو قلة التحرز من الفواحش و هي مؤمنة فالكافرة الكتابية من باب أولى أن يضعف تحرزها عن المؤمنة الأمة فتدبر.

ثم إن الله تعالى ذكر في آية النساء أن يكون هذا خشية العنت و ذكر أن الصبر أفضل من التزوج من الأمة المسلمة فمن باب أولى أن يكون هذا موجود في الأمة الكتابية و أشد و لا يكون بعد هذا إلا التحريم.

ثم إن الأصل في الأبضاع التحريم و لا يجوز القول بحل الزواج من الأمة الكتابية إلا بدليل صحيح صريح و أما آية النساء فقد قلنا بأنها مقيدة بالمؤمنات.

ثم إن قوله تعالى (و الله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض) دلالة صريحة على شرطية الإيمان في نكاح الإماء و أن ذكر شرط الإيمان في قوله تعالى (من فتياتكم المؤمنات) مراد فتدبر تجد ذلك جليا أي الله أعلم بسرائركم منكم و لكن عليكم إختيار الصالحة الصادقة بإيمانها (بعضكم من بعض) قال بن جرير (يَقُول: فَلْيَنْكِحْ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات , لِيَنْكِح هَذَا الْمُقَتَّر الَّذِي لَا يَجِد طَوْلًا لِحُرَّةٍ مِنْ هَذَا الْمُوسِر فَتَاته الْمُؤْمِنَة الَّتِي قَدْ أَبْدَتْ الْإِيمَان فَأَظْهَرَتْهُ وَكِلُوا سَرَائِرهنَّ إِلَى اللَّه , فَإِنَّ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّه دُونكُمْ , وَاَللَّه أَعْلَم بِسَرَائِرِكُمْ وَسَرَائِرهنَّ.)

ثم قوله تعالى (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) فيه تشديد على هذا الشرط حيث ذكر الله تعالى تفصيل غير المحصنات و هن إما مسافحات أي معلنات بالزنا يقعن بالفاحشة مع كل من آتاهن بشرط الأجر و أو تتخذ خدن خليل تفحش معه و هذا لايشترط معه الأجر و هذا يكون غالبا سرا فنهى الله تعالى الزواج منهن في هذه الحالة و إن كان المراد النهي عن كل زانية و لكن لما كان الغالب هذين الضربين ذكرهما الله تعالى دون غيرهما.

قال بن جرير رحمه الله (وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ: هُوَ دَلَالَة عَلَى تَحْرِيم نِكَاح إِمَاء أَهْل الْكِتَاب فَإِنَّهُنَّ لَا يَحْلُلْنَ إِلَّا بِمِلْكِ الْيَمِين ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحَلَّ نِكَاح الْإِمَاء بِشُرُوطٍ , فَمَا لَمْ تَجْتَمِع الشُّرُوط الَّتِي سَمَّاهَا فِيهِنَّ , فَغَيْر جَائِز لِمُسْلِمٍ نِكَاحهنَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِل: فَإِنَّ الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة تَدُلّ عَلَى إِبَاحَتهنَّ بِالنِّكَاحِ؟ قِيلَ: إِنَّ الَّتِي فِي الْمَائِدَة قَدْ أَبَانَ أَنَّ حُكْمهَا فِي خَاصّ مِنْ مُحْصَنَاتهمْ , وَأَنَّهَا مَعْنِيّ بِهَا حَرَائِرهمْ دُون إِمَائِهِمْ , قَوْله: {مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات} وَلَيْسَتْ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ دَافِعَة حُكْمهَا حُكْم الْأُخْرَى , بَلْ إِحْدَاهُمَا مُبَيِّنَة حُكْم الْأُخْرَى , وَإِنَّمَا تَكُون إِحْدَاهُمَا دَافِعَة حُكْم الْأُخْرَى لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا اِجْتِمَاع حُكْمَيْهِمَا عَلَى صِحَّة , فَأَمَّا وَهُمَا جَائِز اِجْتِمَاع حُكْمهمَا عَلَى الصِّحَّة , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُحْكَم لِأَحَدِهِمَا بِأَنَّهَا دَافِعَة حُكْم الْأُخْرَى إِلَّا بِحُجَّةِ التَّسْلِيم لَهَا مِنْ خَبَر أَوْ قِيَاس , وَلَا خَبَر بِذَلِكَ وَلَا قِيَاس , وَالْآيَة مُحْتَمِلَة مَا قُلْنَا: وَالْمُحْصَنَات مِنْ حَرَائِر الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ دُون إِمَائِهِمْ.)

و الله اعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير