[مع أغلى كتاب (المشاهد وأثرها النفسي) 10]
ـ[د. محمد ناجي مشرح]ــــــــ[28 - 01 - 04, 07:31 م]ـ
المشهد العاشر: الامتحان الصعب:
هذا المشهد يتضمن عددا من أللقطات:
تطل امرأة العزيز وهي تراود يوسف عن نفسه وينجو من المراودة فهذه لقطة.
واللقطة الثانية يوم أن يفاجأ زوجها بالموقف وهو يشاهدهما عند الباب.
واللقطة الثالثة: وقت الحكم الذي كان من أحد أقربائها على المتهم بقرائن ساقها كحيثيات للحكم , بعد أن تخلل المشهدين ا لتاسع والعاشر فجوة أو قنطرة وهي كم كانت المدة التي قضاها يوسف في بيت العزيز حتى بلغ أشده وما ملابسات المرحلة التي قضاها في هذه المرحلة لقد اختفى يوسف عليه السلام عن المستقبلين تلك الفترة. وكم كانوا يودون مشاهدة يوسف في كل ذرة من حياته لا يغيب عنهم لحظة واحدة.
بدأت اللقطة الأولى من المشهد بامراة العزيز وهي تدبر المكيدة بيوسف عليه السلام لتوقعه في شباك الجريمة فتغلق الأبواب وتتزين له.
و تصارحة مصارحة لا التواء فيها ولا إيماء ويظهر يوسف عليه السلام بثباته ورفض الطلب رفضا باتا ويبين لها سبب رفضه ولكنها لم تسمع واندفعت نحوه اندفاع الوحش الكاسر يحركها لهيب الشهوة الجامحة التي لا تلوي على شيء ولا يقف أمامها إلا الإيمان الذي تبلغ قوته الذروة فلا ينهزم أمام شهوة الجسد الأرضية. وتنتهي اللقطة الأولى عند الباب ويوسف يحاول الإفلات منها وهي تحاول الإمساك به حتى قدت قميصه وهو مدبر عنها وتبدأ اللقطة التالية وفيها يبرز منظر للرجل وهو مشدوه من شدة المفاجأة التي ألفى فيها زوجته ومن يعتبره كابنه وهما في حال مستغربة عنده وتبادره المرأة بسؤال كمقدمة للحكم الذي تريد أن يستصدر ضد يوسف عليه السلام: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب اليم! والرجل ساكت تعلوه الدهشة وكأننا به مذهولا يسمع -فقط ولايحرك ساكنا فهو لايهمه من الذي تعدى منهما وإنما يهمه أن شيئا وقع في بيته ما كان يتوقعه فهو سادر في دهشته، ويتجرع مرارة المصيبة والبلاء ويدافع يوسف عن نفسه، ويظهر براءته قائلا: هي راودتني عن نفسي.
وتأتي اللقطة التالية لتبرز يوسف عليه السلام ومعه العزيز وزوجته ومعهم رجل من أهل المرأة يدلي برأيه والمشاهدون لا يدرون هل كان ذلك بعد اللقطتين الأولى والثانية مباشرة؟ وهل الرجل اختير حكما في القضية؟ أم أنه رأي ارتآه حين رأى أن القضية لم تظهر التهمة فيها ضد أحد منهما بوضوح.
وباختبار الفرضية التي طرحها تبينت التهمة في صف المرأة وظهرت براءة يوسف عليه السلام وتختم اللقطة الثالثة برأي للزوج بعد أن تبين له براءة يوسف بقوله كما حكى ذلك القرآن الكريم فقال (إنه من كيدكن إن كيدكن عضيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) قال تعالى مصورا المشهد بلقطاته الثلاث ..
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ (29)} ()
وينتهي المشهد العاشر تاركا العديد من الشروط التي تتوافرفي القائم بالاتصال:
1 - العصامية أمام المغريات التي ينهار أمامها الكثير. وهي تحتاج بعد توفيق الله تعالى إلى صبر وإيمان غير عاديين ولا ريب أن الذي يعقب الانهيار أمام المغريات له آثاره النفسية المهمة إنها تجعل القلب أسود منكسا لتراكم الأخطاء عليه وبالتالي فإن الأمور تختلط عليه بين الحق والباطل وقد ينقلب عليه الحق باطلا والباطل حقا، فلقد عصم الله تعالى يوسف عليه السلام من تلك الفتنة العمياء امرأة جميلة ذات منصب تعتبر سيدته بالإضافة إلى سنه عليه السلام الذي يمتلىء حيوية ونشاطا فإن نجاته درس لكل شاب يحب أن تكون حياته حياة نظيفة.
2 - التريث والتأني في القول أو التصرف حيال الأمور كلها وبخاصة المفاجأة منها فهذا زوجها لم ينبس ببنت شفه ولم يتكلم بشيء إلا بعد أن استبانت الأمور ووضحت.وهذا يتوافق مع منهج الإسلام.
3 - الا نصاف وقول الحق ولو كان على النفس أو القريب وهو العدل الذي قامت عليه السموات والأرض فهذا قريب المرأة قدم لحكمه بمقدمات وقرائن لاستصدار الحكم ثم التزم به وهذه القاعدة من القواعد الذهبية التي ينبغي الالتزام بهاعند النقد والحكم. وذلك بوضع منطلقات مأخوذة من القواعد الإسلامية ثم قياس المفردات المرادة عليها؛ وما أحوج الخبر الإعلامي وتحليله والتعليق عليه لمثل هذه القواعد المهمة التي تجنب الافتراء المبني على الاستعجال وعدم التريث والتأني والواقع الذي يحيط بالخبر وما أحسن قول عمر رضي الله تعالى عنة وهو يوجه القاضي حيث يقول له:إذا جاءك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى يأتي خصمه فلربما أن قد فقئت عيناه.