تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذان اليومان هما اللذان يحبهما الله عز وجل, ويحب فيهما إظهار السرور, وإظهار الفرح والاحتفال, والدعاء والتهنئة, وما عداهما فإن الله يبغض أي شيء يزاحمهما؛ لأن النفوس لا تطيق كل يوم عيد تحتفل فيه وتظهر السرور وتتوسع في المأكل والمشرب, فإذا أتتها هذه الأعياد المُحدَثة زاحمت الأعياد الشرعية, واكتفى الناس بالمُحدَثات, ولم يلتفتوا إلى ما يحبه الله ويرضاه.

فيا عباد الله, إن هذا هو الذي أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم, وإننا في هذه البلاد الطاهرة -بلاد الحرمين بلاد التوحيد- لا نحتاج أن نتشبه بالكفار في هذه الأعياد المُحدَثة التي يفعلونها وهي من شعارهم, وإن الكفار مهما تشبهنا بهم فإنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم, وقد سمعتم ما يقول خاصتهم وعامتهم وما تخفي صدورهم أكبر.

قد حسدوكم والله على دينكم, وحسدوكم والله على شريعتكم, وحسدوكم والله على ما أنتم فيه من الخير, ?ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق?, ?ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم?, ?اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشونِ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا?, اللهم لك الحمد على هذا الدين الذي حسدونا عليه, هذا الدين الكامل الذي من تعلمه نظر فيه إلى الجمال وإلى الجلال وإلى الكمال, في قَدَر الله وفي شرعه وفي حُكمه وفي أفعاله وفي نعمه, يقول الله سبحانه وتعالى ?ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد?, أليس يرى كل مسلم أن الذي أُنزِل إلى محمد هو الحق؟ بلى, ولكن رؤية أهل العلم رؤية خاصة, رؤية فرح ورضا, ولذا قال عليه الصلاة والسلام «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا» , ذاق طعم الإيمان من رضي من كل قلبه بالله ربًا, رضي بالله وبأسمائه وبأفعاله وبصفاته وبأقداره وبشرعه وبكل ما يأتي من عنده سبحانه وتعالى, وبمحمد نبيًا, وبالإسلام دينًا, فمن رضي من كل قلبه ذاق طعم الإيمان.

فيا إخوتي في الله, الله الله في التواصي, الله الله في التناصح, فإنا -بإذن الله- لن نهلك ما دمنا نتناصح, وإن سكتنا وسكتنا, وتعاقبت الأجيال, أصبح المعروف منكرًا, والمنكر معروفًا, والسنة بدعة والبدعة سنة, حتى إذا غُيِّرَت, قال الناس, غُيِّرَت السنة, كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه, ولما قيل متى ذاك يا أبا عبدالرحمن؟ قال إذا كثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم, وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم, وطُلِبَت الدنيا بعمل الآخرة, وتُفُقِّه لغير الدين.

فتناصحوا يا رحمكم الله, وتواصوا وناصحوا من ولاه الله أمركم, فإن الظن بهم أنهم يقبلون النصيحة, وأنهم يحبون الخير لشعوبهم, وإذا تناصحتم فأبشروا باثنتين:

الأولى: أن الغل يخرج من قلوبكم, قال النبي عليه الصلاة والسلام في المجمع الأكبر يوم عرفة: ثلاث لا يغل معهن قلب امرئ مسلم –أي تُخرِج الغل من قلبه- إخلاص العمل لله، والثانية مناصحة من ولاه الله أمركم، والثالثة: لزوم جماعة المسلمين, فإن دعوتهم تحيط من ورائهم.

وأما الثانية: فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود -الذي أخرجه مسلم وغيره- «من أنكر فقد برئ» , إذا أنكر بلسانه أو بقلمه أو بلَّغ الأمر؛ فقد برئ, «ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع» , فمن أنكر أو كره فهو بين السلامة والبراءة, وأما من سكت ورضي وتابع فإنه لا يبرأ ولا يسلم.

فيا عباد الله, هذه فتاوى علمائكم منذ خرجت هذه الدولة الطيبة قبل ثلاثة قرون أنه لا يُشرَع أي عيد وأي احتفال إلا بالأعياد الشرعية, وإذا فتح المجال سيأتي من يقول: الاحتفال بالأنبياء وبميلاد الأنبياء أولى من الاحتفال بالأوطان, وسيأتي من يقول: الاحتفال بالحسين وبعلي وبالأولياء والصحابة وآل البيت أولى من الاحتفال بالأوطان, وسيتسع الشق على الراقع, وستكثر الأعياد ويضعف الناس عن الأعياد الشرعية التي يحب الله فيها إظهار الفرح والاجتماع والسرور, فينعكس مراد الله عز وجل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير